تفاح السويداء.. بحث دائم عن الأسواق وتجار يصطادون أحلام الفلاح!
من المفارقات الكبيرة أن يشتكي المواطن من ارتفاع أسعار التفاح، وفي الآن نفسه يشتكي المزارع من تدني أسعاره، وفي وقت يبيع الأخير إنتاجه بأسعار وسطية لا تزيد عن خمسمائة ليرة سورية نجدها في أسواق باقي المحافظات تصل إلى أكثر من ألف وخمسمائة ليرة بزيادة يمكن وصفها بالمرعبة حمّلها التجار على المادة “ليأكلوا البيضة وتقشيرتها”، في ظل عدم وجود إجراءات جدية في التعامل مع منتج يقول عنه مزارعو السويداء إنه استراتيجي بالنسبة لهم!
دور خجول
يضطر أبو أسامة، وهو مزارع من قرية مفعلة يعمل بالتفاح منذ عشرات السنين، لتخزين محصوله أملاً بالحصول على أسعار أفضل في الأشهر القادمة، وإن كان ذلك يشكّل مخاطرة له – كما يقول – حيث سيكون التسويق مرهوناً بالأسواق الخارجية وهي غير مضمونة.
ويرى ابن الخمسين عاماً أن “السورية للتجارة” هي المعنيّ الوحيد بضبط الأسواق وتحقيق العدالة للمنتج والمستهلك معاً، وعدم ترك تلك الأسواق لعبة يتحكم بها التّجار والسماسرة، مطالباً بتوسيع دورها لاستيعاب كميات أكبر، والتعامل بآليات أكثر مرونة، لأن تقلّص هذا الدور أطال أمد معاناة المزارع عشر سنوات، ليجد في التخزين وتحمّل التكلفة أو التعامل مع “الضمانة” حلاً لا يخلو من الظلم له.
الفلاح الذي ينتج نحو ١٠ أطنان من التفاح تحدث عن مشكلة الفلاحين الذي يرفضون بيع محصولهم بخسارة عندما تكون الأسعار منخفضة، ويضطرون لدفع أجور التخزين لحين تحسّن السعر، وينقل معاناة الفلاحين مع المؤسسة كونها تستوعب كميات محدودة لا تزيد على (4 آلاف) طن في وحداتها، وهناك فرصة لكميات إضافية يمكن شحنها للمحافظات، في الوقت الذي يصل فيه إنتاج المحافظة إلى أكثر من 40 ألف طن وفق تقديرات مديرية الزراعة.
أقنية تسويقية
رئيس الغرفة الزراعية في السويداء حاتم أبو راس بدا أكثر تفاؤلاً بتوفر أقنية تسويقية يمكن أن تساعد الفلاح، مشيراً إلى وجود منافذ بيع متعدّدة، منها التصدير إلى خارج القطر، حيث يوجد عدد من المصدّرين الذين لديهم علاقات تجارية مع الأسواق العربية ويعملون على ضمان أو شراء التفاح من المزارعين وتخزينه بوحدات الخزن والتبريد، ومن ثم توضيبه وتصديره إلى الأسواق الخارجية، وبشكل خاص إلى مصر، إذ تمّ تصدير أكثر من 5 آلاف طن عن طريق غرفة زراعة السويداء خلال الموسم الفائت رغم شح الإنتاج، ويمكن للمزارعين – حسب أبو راس – تخزين إنتاجهم في وحدات التبريد وهي كثيرة ومنتشرة على ساحة المحافظة وتستوعب كامل الإنتاج، حيث تصل طاقتها الاستيعابية إلى نحو 50 ألف طن، وبالتالي تتمّ عملية التسويق بشكل مريح للمزارع ولا يحكمه الوقت والتاجر، ففترة التخزين تستمر حوالي ستة أشهر وهي فترة كفيلة بالتسويق، مبيناً أن فتح معبر نصيب يجعل وصول المادة إلى دول الخليج أكبر. ومن القنوات التسويقية المهمّة التي تحدث عنها أبو راس صناعة دبس التفاح، وهي صناعة تستوعب نتاج الفرز الذي يصل إلى 20% من الإنتاج وهو غير قابل للتخزين، وبالتالي عملية التصنيع تعطي قيمة مضافة له.
تبادل الأدوار
ومشكلة التسويق ليست المشكلة الوحيدة التي يعاني منها مزارعو التفاح، فهناك الظروف الطبيعية حيث البرد الذي يضرب الإنتاج، وكذلك سوء المبيدات الحشرية وما ينعكس على جودة المنتج، إضافة إلى ظاهرة المعاومة وهذه الظاهرة تعني أن الأشجار تحمل محصولاً وفيراً في عام، وتحمل محصولاً قليلاً جداً، أو لا تحمل في العام الذي يليه، وهذا ما يُسمّى المعاومة، أو تبادل الحمل، حسب نقيب المهندسين في السويداء أحمد حاتم الذي أشار إلى أن التفاح يعدّ المحصول الإستراتيجي الأول بالمحافظة، ولذلك لابد من نشر الوعي لدى المزارعين، وزيادة معارف الفنيين الزراعيين لتفادي المشكلات التي تصيب شجرة التفاح، وأهمها المعاومة التي تتسبّب بانخفاض الإنتاج، وبشكل خاص للأصناف البيضاء من التفاح.
كما أشار حاتم إلى أسباب ظاهرة المعاومة الفيزيولوجية المتعلقة بالصنف المزروع، وكذلك الظروف البيئية والمناخية من درجات حرارة، وهطول مطري، ونقص تغذية الأشجار، والتقليم الخاطئ، مؤكداً ضرورة تطبيق مجموعة طرق للحدّ من المعاومة عبر تقديم الخدمات الزراعية بمواعيدها المناسبة، وإضافة الأسمدة بالشكل الصحيح بناء على نتائج تحليل التربة، وعدم المغالاة باستعمال السماد الآزوتي، واتباع عمليات التقليم الفني الصحيح، وإجراء الحراثات الخريفية بأوقاتها للاستفادة من كميات الأمطار، والتطعيم على أصناف زراعية تتميّز بانتظام الحمل، ومكافحة الآفات الزراعية، خاصة البياض الدقيقي، والأكاروسات.
تخمة تسويقية
يبقى السؤال: هل حقاً تقف وزارة الزراعة مكتوفة الأيدي أمام هذه الحالة، أم لديها إجراءات يتمّ العمل عليها؟
يقول المهندس وجدي أبو رسلان، مدير مكتب التفاحيات في وزارة الزراعة، إن إستراتيجية وزارة الزراعة قصيرة المدى هي إجراء سبر كامل لأشجار التفاح، ومكان زراعتها، ومعرفة المشكلات الفنية والزراعية التي تواجهها، وهي تلامس الصفر في محافظة السويداء، باستثناء بعض الحالات الخاصة التي تعود إلى تقصير المزارع في بعض العمليات الزراعية.
أما الإستراتيجية الأهم التي تعمل عليها الوزارة – حسب أبو رسلان – فهي إنتاج ما يمكن تسويقه، وليس تسويق ما يمكن إنتاجه، وهذا يتطلّب وضع خطط مستقبلية، وخاصة في ظل وجود فائض في الإنتاج يصل إلى نحو ٤٧٥ ألف طن على مستوى القطر، وهذا يسبّب تخمة تسويقية لابد من وضع حلول لها.
وبيّن مدير مكتب التفاحيات أنه ورغم جودة تفاح السويداء، إلا أن الأسواق الخارجية تتعامل بشهادات الجودة بعيداً عن الشكل والمذاق، وهنا تمّ العمل على الترخيص لشركتي منح شهادات الجودة للمنتج الزراعي، وبالتالي هي خطوة لشق الطريق لأسواق جديدة، ويبقى المهمّ هو رفع سوية المنتج للحصول على تلك الشهادات، وهذا يتطلّب إرشاد المزارعين بشكل أوسع بالأنظمة الزراعية.
ومن الحلول التي قدّمها أبو رسلان في ظل ارتفاع أسعار المنتج تخفيض تكاليف الإنتاج، ودعم المصدّرين، وإحداث معامل للعصائر تعطي لنواتج الفرز قيمة مضافة، وتعوض خسائر المزارعين، وكذلك لابد من دعم الصناعات الزراعية كمشاريع صغيرة ومتوسطة، والأهم هو إحداث خارطة بيئية للتفاح لزراعته في المكان المناسب، وكذلك اختيار الصنف المناسب.
دعم الفلاح
المهم هو ترجمة الأقوال إلى أفعال تنعكس واقعاً ملموساً على العملية الزراعية بشكل عام، وعلى محصول التفاح بشكل خاص، وقد يشكّل دعم المزارعين ومستلزمات الإنتاج والمصدّرين الخطوة الأهم في ذلك.
رفعت الديك