“اللامبالاة”.. تختصر معاناة أساتذة جامعة الفرات من خارج دير الزور!
دون مقدّمات سندخل تفاصيل المشكلة “المعاناة” أو المأساة التي يعيشها مجموعة من أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة الفرات بدير الزور، وهم من خارج المحافظة، مطلوبٌ منهم السفر لمرتين في الشهر لأداء واجبهم وسط ظروف صعبة مرهقة مادياً وجسدياً، دون أن تقدّر ذلك إدارة الجامعة ووزارة التعليم العالي – حسب قول أصحاب المشكلة – في محاولة لإيجاد حلّ لهم ينصفهم ويعينهم على متابعة أداء واجبهم.
صبّ الزيت على النار!
وما زاد الطين بلّة أن وزارة التعليم العالي صبّت الزيت على النار بإصدار قرار يمنع هؤلاء من التدريس بجامعات حكومية أخرى خارج أوقات دوامهم بالجامعة، مستندة إلى حجج غير منطقية – حسب قول الأساتذة – وكأنها تعاندهم بشكل مستفزّ جعل معاناتهم أشدّ إيلاماً، حيث كان جواب الوزارة على مطلبهم “لأنكم تُدرّسون بشكل أسبوعي في الجامعات الأخرى، ومكثّف في جامعة الفرات لا يحق لكم التدريس في الجامعات الأخرى”!.
أبواب موصدة
الدكتورة منى عبود، دكتوراه في الاقتصاد من فرنسا، استغربت المماطلة في إيجاد مخرج عادل للمشكلة رغم مشروعية مطالب الأساتذة في ظلّ هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث المصاريف المرهقة بسبب أجور التنقل والإطعام، عدا عن الإرهاق الجسدي والنفسي للأستاذ المطالب بأن يكون مرتاحاً حتى يقدّم علمه لطلابه، مشيرة إلى أنه في كل الأزمات هناك قوانين تتغيّر، لأن القانون يكون لخدمة المواطن وليس لاستهلاكه نفسياً وجسدياً. وأشارت إلى أن رئيس الجامعة تفهّم الوضع، لكن المشكلة في الوزارة التي أوصدت كل باب للحلّ، متذرّعة بأن القوانين والأنظمة لا تسمح!.
وأضافت: كل ما نريده هو مراعاة ظروفنا بنقلنا إلى جامعات أخرى، وريثما يتمّ ذلك نأمل منحنا تعويضاً مالياً يساعدنا على نفقات ومتطلبات السفر الباهظة التي أرهقتنا في ظل هذه الظروف الصعبة، إضافة إلى تأمين السكن اللائق والمريح، فلا يعقل أن يتمّ حشرنا في غرف لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية ونحن في زمن الكورونا!.
مطالبنا ليست تعجيزية
ولا يعتقد الدكتور غياث بابو أن مطالبهم تعجيزية، بل هي محقة ومشروعة وفي متناول اليد عندما تقتنع وتتفهّم وزارة التعليم العالي وتحسّ بوضعهم المأساوي: “مع ذلك ما زلنا نؤدي واجبنا بإخلاص على أمل أن تفرج علينا بقرار عادل يُنصفنا”. ويشير إلى أنه يدفع من راتبه بحدود الـ 50 ألف ليرة أجور تنقل وإقامة أثناء ذهابه من اللاذقية إلى دير الزور، وهو حال كل زملائه ممن يدرّسون في الجامعة من خارج المحافظة، وهذا برأيه وضع لا يُحتمل في ظل غلاء الأسعار وأجور النقل، مستغرباً كيف تعمل وزارة التعليم العالي على إغلاق كل باب رزق يفتح لهم لتحسين وضعهم، كمنعهم من التدريس في جامعات أخرى؟.
ويطالب الدكتور “بابو” كزملائه بضرورة الإسراع في منحهم تعويضات خاصة تخفّف عنهم “المعاناة المالية” التي أنهكت جيوبهم، فرواتبهم بالكاد “تصمد” خمسة أيام في الشهر في ظل الغلاء الجنوني للأسعار.
مماطلة وتسويف؟
من جهتها الدكتورة رشا سلوم استغربت المماطلة والتسويف في حلّ المشكلة، مشيرة إلى أن الأساتذة لم يتأخروا يوماً في تأدية واجبهم التدريسي، فهم عندما اختاروا جامعة الفرات للتقدّم إلى مسابقة المعيدين عام 2005 كانت أوضاع البلد بألف خير، أما اليوم فقد تغيّرت الظروف والمفروض أن تكون وزارة التعليم العالي سنداً للأستاذ لا ضده، في إشارة منها إلى “اللامبالاة المستفزة” التي تتعامل بها الوزارة معهم، لدرجة أنها رفضت الاستماع إلى وجهة نظرهم عندما ذهبوا إليها آملين الحلّ للتخفيف من معاناتهم. متسائلة: هل هذا هو جزاء من يحرص على العودة إلى أرض الوطن بعد الانتهاء من الإيفاد الخارجي، في الوقت الذي رفض فيه العديد من الموفدين العودة؟!. مضيفةً: للأسف الوزارة لم تقدّر ذلك، بل زادت في معاناتنا عندما رفضت السماح لنا بالتدريس بجامعات أخرى لنستطيع تأمين متطلبات معيشتنا على مبدأ “بحصة بتسند جرة”، علماً أنه بالقانون يحق للأستاذ الجامعي التدريس في جامعة أخرى بما لا يزيد عن ٨ ساعات أسبوعياً.
وتوضح الدكتورة سلوم المتزوجة من عضو هيئة تدريسية بجامعة تشرين أنها تقدّمت مع زميلة لها بطلب نقل لكن طلبهما رُفض من الوزارة، علماً أنه يحقّ لهما النقل ضمن شروط المسابقة التي تعيّنتا بناء عليها، في الوقت الذي وافقت فيه الوزارة على طلبات نقل أعضاء هيئة تدريسية في جامعات أخرى!!.
وتقول: لا اعتراض على ذلك، فنحن نريد الخير لكل زملائنا، وكل ما نريده أن تتعامل الوزارة مع أعضاء الهيئة التدريسية بسوية واحدة حتى لا نشعر بالظلم والقهر. وترى الدكتورة سلوم أن مطالبهم مشروعة ومقدور عليها ولا مبرّر منطقياً لوزارة التعليم العالي في تحقيقها، أقلها إصدار قرار منحهم تعويضاً إضافياً يغطي أجور النقل والإقامة في فندق يليق بهم كأعضاء هيئة تدريسية، مع منحهم طبيعة عمل، مشيرة إلى أن مثل هذا الإجراء كان موجوداً سابقاً في وزارة التربية، حيث كانت تعطي هذا التعويض للمدرّسين في المناطق النائية، مؤكدة ضرورة السماح للمدرّسين بالتدريس في جامعات أخرى، وما سبق هو أقل ما يمكن منحه لأعضاء هيئة التدريس فهم من نخبة المجتمع.
ما رأي رئاسة الجامعة؟
لدى الاتصال مع الدكتور جاك مارديني رئيس جامعة الفرات للاستيضاح عن تفاصيل المشكلة، أبدى تعاطفه مع مطالب أعضاء الهيئة التدريسية لجهة أن يكون هناك تعويض مالي خاص للذين يدرّسون في جامعة الفرات من خارج المحافظة نظراً للظروف المعيشية الصعبة، حيث يتكبّد هؤلاء نفقات تنقل وإقامة لا تتناسب مع رواتبهم، معتبراً ذلك مطلباً محقاً ويمكن أن يكون مخرجاً لتخفيف المعاناة ريثما يتمّ إيجاد حلّ منصف للجامعة والأساتذة.
وحول عدم الموافقة على نقلهم إلى جامعات أخرى، أوضح مارديني أن القوانين لا تسمح بنقل عضو الهيئة التدريسية إلى جامعة أخرى إلا بعد خدمة عشر سنوات في الجامعة التي اختارها وتقدّم لمسابقة التدريس فيها، مبيناً أن عدداً من أصحاب المشكلة كانوا تقدموا للمسابقة خلال سنوات الحرب على سورية، بمعنى هم يعلمون ذلك- حسب قوله، لافتاً إلى أن الوزارة تريد تثبيت الكادر التدريسي في جامعة الفرات لضمان نجاح العملية التدريسية وهي محقّة بذلك.
وعن موقفه من قرار مجلس التعليم العالي بعدم السماح لأعضاء الهيئة التدريسية ممن يعانون من المشكلة بالتدريس في جامعة تشرين وغيرها من الجامعات، قال رئيس الجامعة: “إن الذي حصل أن الأساتذة قلبوا الهرم، بمعنى كل جهدهم يكون في جامعة تشرين بينما يأتون إلى جامعة الفرات بجهد أقل، وقد سبّب لنا ذلك إحراجاً مع الطلبة الذين اشتكوا من الجهد القليل من قبل بعض الأساتذة”.
وأعرب رئيس الجامعة عن أمله بضرورة إيجاد حلّ قريب منصف للأساتذة والجامعة معاً، مؤكداً أنه يسعى بشكل دائم عبر التواصل مع الوزارة لأجل ذلك.
لا بدّ من حل
بالمختصر.. هناك معاناة حقيقية لأصحاب المشكلة الذين يبلغ عددهم (10) أعضاء هيئة تدريسية، منهم خمس نساء لديهن أطفال يحتاجون للرعاية التي يفتقدونها في ظل الغياب المتكرّر عن البيت أثناء وجودهن في جامعة الفرات، ومن خلال المعطيات التي عرضناها لا نرى أن الحلّ معقد، فمن حق هؤلاء المدرّسين الذين اختاروا جامعة الفرات عن رغبة عندما كانت البلد آمنة أن نوفر لهم ظروفاً مناسبة للعمل في ظل ما حصل من صعوبات طارئة لم تكن بالحسبان زادت من متاعبهم، خاصة وأنهم يعملون في مهنة تتطلّب الراحة النفسية والجسدية ليكون نتاجهم جيداً ينعكس على تطوير العملية التعليمية، ولا نعتقد أن هناك ما يبرّر التأخر في حلّ مشكلتهم، على الأقل اتخاذ قرارات بحلول إسعافية بمنحهم تعويض تنقل ومراعاة طبيعة العمل، ريثما ينظر بعملية نقلهم، خاصة وأن الوزارة وافقت سابقاً على نقل عدد من أعضاء الهيئة التدريسية ممن يدرّسون في جامعات أخرى، فلماذا التعامل بمزاجية مع مثل هكذا قضايا من المفروض أن يتمّ حسمها بسرعة؟!.
كلنا مع القانون ولكن الاستثناءات التي حصلت يجب أن تسري على الجميع دون تمييز أحد عن الآخر طالما ظروف العمل متشابهة والمطلب واحد، والهدف دائماً هو خدمة العملية التعليمية ضمن ظروف مناسبة للجميع تحقّق الإنصاف للأساتذة وجامعة الفرات.
غسان فطوم