الإتجار بالبشر.. والنفاق الأمريكي!
سمر سامي السمارة
في بداية شهر تشرين الأول الجاري، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات على الدول التي ترى واشنطن أنها لا تبذل جهوداً كافية لمكافحة الإتجار بالبشر، وأصدر أوامر لممثلي الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي والبنوك متعدّدة الأطراف بالتصويت ضد بعض المشاريع التي توفر الأموال لتلك الدول. قائمة الدول التي أعدّتها واشنطن تشمل كلاً من: روسيا، والصين، وإيران، وسورية، وكوبا، وكوريا الديمقراطية.
على الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية تعدّ تقارير سنوية ضخمة حول هذا الموضوع، والتي نُشر آخرها في 25 حزيران من هذا العام، فقد حلّل التقرير الأخير، على وجه الخصوص، الوضع في 188 دولة، وأشار إلى عدد كبير ممن تمّت مقاضاتهم بتهمة الإتجار بالبشر في دول متعدّدة، إلا أنه لم يذكر كلمة واحدة عن أية عقوبة مماثلة تمّ فرضها في الولايات المتحدة رغم أنه في الولايات المتحدة نفسها -بحسب متخصّصين- يتضرر 300000 طفل ومراهق سنوياً من هذا الخطر.
خلال العرض الافتراضي لهذا التقرير، أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والسفير الأمريكي جون ريتشموند، ومستشارة الرئيس الأمريكي إيفانكا ترامب إلى الجهود الدؤوبة التي بذلها عشرة أشخاص في بلدان مختلفة معترف بهم كأبطال في مكافحة الإتجار بالبشر هذا العام.
وفي كلمة ألقاها أمام المشاركين في الحفل يوم 25 حزيران، قال بومبيو: إن 25 مليوناً من البالغين والأطفال في العالم وقعوا ضحايا للإتجار بالبشر، لغرض استغلالهم في العمل واستغلالهم جنسياً. لكن الحقيقة عكس ذلك، لأن ما يُسمّى بـ”التقييمات” التي تمنحها وزارة الخارجية الأمريكية، تتمّ بصورة تعسفية، فعلى الرغم من أنها تنطلق من المعايير المنصوص عليها في قوانين الولايات المتحدة لحماية ضحايا الاتجار بالبشر، إلا أنهم في الوقت نفسه، يتجاهلون حقيقة أنه في الولايات المتحدة نفسها، وفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية، تمّ خلال العامين الماضيين تحديد بضعة آلاف من حالات “الإتجار”، من ضمنها آلاف الحالات التي تتعلق بالإتجار بالبشر الذي يشمل الأطفال.
هذه هي في الواقع جوهر الدعاية “الإنسانية وحقوق الإنسان” لهذه التقارير عبر الشعارات والتسميات، والتي يبدو أنها ضرورية للغاية في واشنطن بسبب علاقاتها السياسية العامة وهجماتها على الدول المعادية.
وإذا ما تمّ النظر في الخطاب المثير لوزير خارجية الولايات المتحدة في 25 حزيران الذي قال خلاله: “إذا لم تتخذ بعض الحكومات في العالم إجراءات كافية ضد الإتجار بالبشر، فلن تقف الولايات المتحدة على الهامش”، فإننا نجد أنه ينطوي على كذب مبالغ فيه، لأن نخبها السياسية، التي تشارك في الإتجار بالبشر، لا تزال خارج نطاق السلطة القضائية للمجتمع الأمريكي، والمجتمع الدولي.
على سبيل المثال، اتهمت مجلة “ناشونال ريفيو” الأمريكية مؤخراً، عائلة المنافس الرئيسي لترامب في الانتخابات القادمة جو بايدن بالمشاركة بنشاط في الإتجار بالبشر على وجه التحديد، حيث أشار المقال إلى أن نجل بايدن، هانتر بايدن، تلقى ما مجموعه أكثر من 4 ملايين دولار أمريكي كـ”معاملات مالية مشكوك فيها” مع أجانب لديهم علاقات سياسية واسعة النطاق، إذ قام بتحويل أموال إلى مواطنين أجانب يعيشون في الولايات المتحدة يُزعم أنهم مرتبطون بشبكة في أوروبا الشرقية للبغاء والإتجار بالبشر.
كما قامت صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية بمشاركة المعلومات مع القراء بشأن تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الصادر في 23 أيلول 2020 والذي يربط بين هانتر بايدن و”الدعارة والإتجار بالبشر”، وأنه قام بتحويل “آلاف الدولارات” إلى أشخاص يبدو أن لهم صلة بصناعة الجنس. ووفقاً للمقال، فإن هذه الادعاءات واردة في حاشية أحد أقسام التقرير، والتي تقدّم تفاصيل عن “الأنشطة الإجرامية والتهديدات بالابتزاز” المحتملة التي تورّط فيها هانتر بايدن وأفراد آخرون من عائلة بايدن. في الوقت نفسه، يشير المقال إلى أن تقرير مجلس الشيوخ هذا، يحتوي أيضاً على روابط للعديد من المنشورات التي تتحدث عن احتمال تورط هانتر بايدن بتجارة الجنس.
في ظل ما تمّ ذكره ، يبدو أنه كان من الأجدر بوزارة الخارجية الأمريكية -بدلاً من نشر تقارير متحيّزة سياسياً حول الإتجار بالبشر المزعوم من قبل دول أخرى وفرض عقوبات أمريكية عليها- أن تتعامل أولاً مع هذه المشكلة في بلدها، وتفرض عقوبات على الأمريكيين المدانين بهذه الأنواع من الجرائم داخل أمريكا وخارجها. وهو ما يتضح في قتل المدنيين الأبرياء في الشرق الأوسط وفي مناطق النزاعات المسلحة التي أشعلت فتيلها واشنطن. فهل من الممكن حقاً أن تفرض عقوبة عادلة على جرائم الولايات المتحدة؟.