التّعقيد بذريعة التّجديد
أمين إسماعيل حربا
لو اطّلعنا على تجارب كبار شعراء القرن العشرين وهو العصر الذهبّي للشّعر الحديث للاحظنا على الفور لغتهم الشّعرية البسيطة والجزلة والمليئة بالدّهشة والإبداع والّتي خاطبت الأنفس والعقول بنفس الوقت فأوصلت أعمالهم للعالميّة وخلّدت ذكرهم للأبد.
في المقلب الآخر ورغم كلّ محاولات الحداثويّين اللجوء للكتابة الّتي تعتمد نمطاً مختلفاً أساسه الإيغال في الرّمزية واللغة الجّافة وتوظيف الإنزياحات غير المنطقيّة بشكل مكثّف ومبالغ به. حيناً بذريعة خلق نصوص إبداعيّة وعدم تكرار ذواتهم، وحيناً بذريعة التّمويه وإخفاء المعنى الّذي قصدوه من النّص عن الرّقيب لأنّه لامس المحظورات في مجتمعاتهم، وحيناً آخر بذريعة أنّ من واجب عموم المتلقّين الارتقاء بوعيهم لفهم هذه الأحجيات التي يقومون بكتابتها، فبقوا في أبراجهم العاجية التي خلقها خيالهم، فلم يصل خطابهم للعامّة بل كان موجّهاً لبعضهم البعض ولفئة خاصّة من النقّاد يتبادلون فيما بينهم عبارات المديح والإطراء.
ويعتبر عموم القرّاء هذه الكتابات عاجزة عن إيصال المعنى لهم ولا تلامس أحاسيسهم ومشاعرهم، وتخلق نوعاً من الملل عندهم، ممّا يجعلهم يلقون بها جانباً دون إتمام قراءتها، فبقيت كلّ كتاباتهم رغم كثافتها تدور فيما بينهم أو مرميّة على الرّفوف وفي الأدراج مما أفقد الشّعر هدفه الحقيقي وجعل الساحة الشّعريّة تخلو من العلامات الفارقة.