سرطان الثدي.. حملات توعية للكشف المبكر ودعم نفسي يخفف معاناة المرض؟!
سيدة من بين كل ثماني سيدات تصاب بسرطان الثدي، ولأن أهم عامل للحفاظ على صحة السيدات وحمايتهن في حال الإصابة يكمن في الكشف المبكر، خصص شهر تشرين الأول شهراً عالمياً للتوعية، حيث تقوم المواقع حول العالم باتخاذ اللون الوردي أو الزهري كشعار لها من أجل التوعية من مخاطر سرطان الثدي، وطبعاً هذا العام يأخذ طابعاً مختلفاً بسبب ما يعتريه من صعوبات أهمها انتشار فيروس كورونا ما زاد العبء خاصة مع صعوبة وخوف الكثيرين من ارتياد المشافي والمراكز المخصصة لحملات التوعية، رغم الجهود المبذولة لإنجاح الحملة وتحقيق الهدف الأساسي منها.
حملات التوعية
الدكتورة ديمة الزعبي، معيدة في كلية الطب البشري قسم الأشعة، جامعة دمشق، أكدت، ومن خلال عملها الدائم في مشفى الأسد الجامعي، على الدور المهم الذي تقوم به حملات التوعية، سواء عبر الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً في السنوات الأخيرة، والتي بطبيعة الحال ساهمت بزيادة نسبة الوعي بين السيدات لإجراء الكشف المبكر عن سرطان الثدي، مضيفةً أن السيدات ينقسمن إلى قسمين فيما يخص إدراك أهمية هذا الفحص: قسم يجري فحصاً سنوياً دائماً وبشكل روتيني،وهنا قد يشكل الجانب المادي عائقاً لإجراء الفحص أمام جزء ليس بيسير منهن، ما يبرز الدور الكبير والتسهيلات التي تمنحها الحملات المجانية التي تخفف هذا العبء، خاصة وأنها تجري في مشافي التعليم العالي أو وزارة الصحة أو بعض المراكز الخاصةالتي تشملها الحملة، وقسم يطلب منهن الفحص من قبل الطبيب الخاص بعد الشك بوجود كتلة، ولكن يترددن إما بسبب الخوف أو التكلفة المادية وهنا تكون الحملة بمثابة مساعد ومعين لهن.
لا وقاية
عن الوقاية، تحدثت الدكتورة الزعبي مؤكدة أن هناك ما يسمى بالكشف المبكر، موضحةً أنه حتى الكشف المبكر يختلف بين السيدات، فالسيدة التي تعاني من قصة عائلية مثلاً لا بد أن تبدأ بفحص الثدي في سن الثلاثين بالايكوغراف والماموغرام في سن 35، أما السيدات اللواتي لا قصة إصابة بسرطان الثدي في تاريخ عائلاتهن، فإن عليهن إجراء فحص الماموغرام في سن الـ 40. واليوم نلحظ من خلال عملنا زيادة الوعي لدى السيدات بشكل واضح وجلي، ما يساهم بشكل كبير بارتفاع نسب الشفاء إلى نسبة تصل لـ 90 بالمئة، ومن هنا تأتي أهمية الكشف المبكر في اكتشاف الورم في المرحلة التي تسبق السرطان الغازي أو أن نكتشفه بأحجام صغيرة، ما يسهم في الحفاظ على الثدي، وهو هدف لكافة أشكال العلاج، وترغب به كل السيدات، ويدفعنا في طريق الشفاء برفع معنويات السيدة لمعرفتنا المسبقة بحساسية هذا الموضوع بالنسبة لها.
هل انخفضت نسب الإصابة؟
نسب الإصابة – كما أوضحت الدكتورة الزعبي – ما زالت مشابهة لتلك العالمية فمن بين كل 8 سيدات سيدة واحدة تصاب، ولكن الأمر الذي نلحظه اليوم هو ما نسميه” الفوعة العالية للمرض” وازدياد نسبة انتشاره لدى السيدات بأعمار صغيرة، حيث كان من النادر أن تصاب سيدة بعمر العشرين وهذا ما أصبحنا نلحظه بتوارد أعلى مما سبق ، وقد يكون أحد أسباب ذلك غير المباشرة ما عانيناه خلال السنوات الأخيرة من ضغط نفسي شديد كالصدمات العاطفية “فقدان ابن أو أب “، والتوتر المستمر نتيجة الظروف الصعبة، وهي أسباب يمكن أن تساهم بخفض مستوى المناعة لدى السيدة.
كورونا وتأثيراته
فيروس كورونا أحدث ضغطاً كبيراً في المشافي و المراكز الطبية خاصة تلك التي يوجد فيها مراكز عزل، وهذا – حسب ما أوضحت الدكتورة الزعبي – قد يكون أحد الأسباب المنطقية التي من يمكن أن تجعل بعض السيدات يؤجل القيام بالكشف المبكر خوفاً من أخذ العدوى من مكان التصوير أو العناصر الطبية، خاصةً إذا كانت السيدة قد أجرت فحص ماموغرام أو إيكوغراف في العام المنصرم ،ولا تشكو من أي عارض، وهذا الوضع حقيقةً يعاني منه العالم بأسره وليس نحن فقط، فهناك المهم والأهم.
بعض الخرافات عن المرض
صحيح أن سرطان الثدي كأي مرض آخر، ولكن حساسيته تكمن بأنه يصيب إحدى أهم المناطق في جسم المرأة، ألا وهو الثدي الذي يعتبر رمزاً لأنوثتها ولجمالها، لذلك نرى أنه أصبح هاجساً لدى السيدات؛ حيث نرى اليوم الكثير من الخرافات والمعتقدات المغلوطة عنه، وهنا تتتالى الدراسات التي تدحض ما نشر من قبل، أو تلك التي تؤكد صحة ما نشر سابقاً، ومن أهم الأسئلة التي قد تطرحها السيدة على طبيبها الخاص تأثير ارتداء حمالات الصدر أثناء النوم، وما قد يحدثه هذا الأمر من خطر الإصابة. وهنا توضح الدكتورة الزعبي أن الأمر فيه شيئ من الصحة لأن الحمالة عند بعض السيدات قد لا تتناسب مع حجم الثدي ما يعيق تصريف اللمفاوي، وبمعنى أدق فإنَّ الخلايا ضمن الثدي تنتج فضلات يتم تصريفها عن طريق الأوعية اللمفاوية، وحمالات الثدي وارتداؤها الدائم خلال 24 ساعة يعيق هذا التصريف، ما يساهم بازدياد تراكم الفضلات داخل الخلايا، وهذا ما قد يؤثر على الثدي في المنظور البعيد. أضف إلى ذلك هناك موضوع آخر يتعلق بـ “مزيل الرائحة” أو “مضادات التعرق” التي يحتوي بعضها على عنصر الألمنيوم ذي التأثير المؤذي، ولكن أهم عامل يساعد على زيادة فوعة المرض هو الشدات النفسية كما ذكرنا سابقاً، لذلك نطالب السيدة المصابة بتغيير نمط حياتها وأن تحاول قدر الإمكان أن تعيش حياة صحية، من غذاء صحي وممارسة الرياضة، ما يقوي مناعة الجسم ويساعد بمنع نكس المرض. وهنا تتحدث الدكتورة الزعبي عن أكثر الأفكار المغلوطة، وهي أن بعض السيدات اللواتي يقمن بإجراء فحص ماموغرام – مع الاعتقاد بأن الفحص هو الذي سبب لهن المرض – قد “فتحن على أنفسهن الباب”، وهو أمر غير منطقي، لأن الورم موجود سواء أجرت السيدة الفحص أم لم تجره، وسينتشر في الجسم إن لم نكتشفه باكراً.. أمر آخر هو الفئة التي لديها قصة مرضية في العائلة، حيث تنقسم هذه الفئة إلى قسمين: قسم يجري الفحص بشكل دوري وبوعي تام، وقسم يشعر بالخوف ويبتعد كلياً عن إجراء الفحص، وهنا لا بد من التشديد على الدعم النفسي لهذه الفئة، وشرح أهمية إجراء الكشف المبكر الذي سيساهم في الشفاء في حال الإصابة.. ولن ننسى السيدات اللواتي يجهلن موضوع الكشف المبكر عن سرطان الثدي، ومن هنا نشدد على الدور الهام للحملات فيما يخص رفع وعي هذه الفئة، وإحدى أكثر الخرافات المزعجة التي تؤثر على حياة المريضة هي “الخزعة” التي تعتقد السيدة أنه في حال تم إجراؤها فإنها حتماً ستؤدي لانتشار المرض، وهنا لا بد من التأكيد أنه لا يوجد سرطان ثدي يتداخل عليه أي طبيب جراحة أو طبيب أورام من دون خزعة وتأكيد التشخيص نسيجياً، ونحن ما زلنا حتى الآن نعاني من بعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض الأطباء الذين يعرضون المريضة لعلاجات خاطئة.
الطب البديل
الدكتورة الزعبي ترى ضرورة التأكيد وبشكل مستمر للسيدة خاصة تلك التي لا نتمكن من تغير قناعاتها فيما يخص هذا العلاج وسلبياته من أنه لا بد بدايةً من سلوك طريق العلم “جراحة، علاج كيماوي، شعاعي، علاج هرموني”، حسب كل حالة، ثم بعد ذلك إذا أرادت السيدة أن تستعين بطب بديل أو شعبي فليس باليد حيلة، وهذا خيارها، ولكن الموضوع الذي لا يقبل نقاشاً هو أن تقوم السيدة باستبدال العلم أو العلاج الطبي المثبتة فائدته على مدى سنوات بالطب البديل، أما فيما يخص موضوع التغذية فلا مانع من أن تستشير السيدة أثناء فترة العلاج أخصائي تغذية، لأن غايتنا الأساسية بعد علاج الورم بالطرق المناسبة هي تقوية مناعة الجسم، وهذا يدفع السيدة نحو الشفاء، والأمر الأهم الذي تؤكد عليه الدكتورة الزعبي هو الشفافية والصراحة مع المريضة لأنها الأقدر على تنظيم أمورها والتزاماتها في الفترة المقبلة، ومن هم الأشخاص الذين تود إخبارهم لتستعين بهم بسبب حساسية الموضوع. وهنا تؤكد الدكتورة الزعبي أنها لاحظت خلال عملها أن الكثير من السيدات يعانين بشدة نتيجة قلة الوعي في المجتمع لأننا حقيقةً لا ندعم السيدة، وهذا ما يؤكد موضوع الدعم النفسي المناسب، لأن السيدة المصابة تعاني أحياناً من ردود أفعال سيئة من محيطها حيث أنها قد تتعرض لسؤال سخيف أو تعامل سيئ مما يؤثر على صحتها النفسية، لذلك لا بد أن نؤكد للسيدات على أن أغلب المريضات المصابات بعد العلاج يمارسن حياتهن الطبيعية بعد الشفاء ويقمن بكل مهامهن كما كن قبل فترة المرض فهن الأم والطبيبة والأخت والمدرسة والأستاذة الجامعية .
ضرورة استمرارها
ختاماً، يجب أن نشدد على أهمية الحملات التوعوية التي تقام وعلى ضرورة استمرارها بشكل دوري، وعلى ضرورة الدعم النفسي للسيدة المصابة من أفراد عائلتها، إضافة إلى دور المجتمع سواء عبر جمعيات أو المراكز المختصة لأن الحفاظ على صحة المرأة هو حفاظ على صحة عائلتها ومجتمعها.
لينا عدرة