تونس: “صندوق أسرار الغنوشي” ينشق عن النهضة
يبدو أن المخاوف من إمكانية انقسام حركة النهضة الإخوانية بسبب الخلافات الداخلية قد بدأت تتحوّل إلى حقائق على أرض الواقع بعد استقالات متزعمين كبار في الحركة، وارتفاع عدد المعارضين لمتزعم الحركة راشد الغنوشي، الذي يحاول الاستمرار على رأس الحركة لولاية جديدة دون الالتفات لأصوات المعارضين.
وفي السياق أعلن المتزعم البارز في الحركة ووزير الشؤون المحلية والبيئة السابق لطفي زيتون أنه قرر الانسحاب من كل مؤسسات الحركة، وذلك بعد أيام من إعلانه الاستقالة مما يسمّى “مجلس الشورى”.
وقال زيتون إنه يفكر في تأسيس حزب جديد في المستقبل وانه ينوي خوض تجربة سياسية بطريقة مغايرة، وأضاف زيتون، الذي يعرف بـ”صندوق أسرار راشد الغنوشي”، إن “تونس أهم من حزب النهضة”. ورغم أن زيتون لم يتحدث عن قطيعة تامة مع النهضة، لكن حديثه عن نيته تشكيل حزب جديد وانسحابه من كل الهياكل يفهم منه ان سيغادر الحركة لتجربة أخرى.
ويعتبر لطفي زيتون من المتزعمين البارزين لحركة النهضة، حيث ربطته علاقة قوية براشد الغنوشي وكان مستشاره الشخصي في فترة معينة بل واعتبر صندوق أسرار متزعم النهضة قبل أن يبدي نوعا من المعارضة لسياساتها في الآونة الأخيرة.
ووجه زيتون انتقادات حادة للنهضة ولطريقة تسييرها للدولة، مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصراع السياسي المحتدم، قائلاً: “إن البلاد في منعرج خطير لكن الحركة مهتمة بمشاكل جزئية لا تخص الشعب”. وأضاف: “إن المكاسب أصبحت مهددة، لكن قيادات في النهضة مشكلتهم الرئيسية اليوم من سيحكم الحركة ويبسط نفوذه”، وأردف: إنه لا يرى في النهضة “المكان الطبيعي الذي سيقدم بالبلاد بهذا الشكل” معترفا بأنهم ارتكبوا عدة أخطاء سياسية، بينها إضاعة فرصة حكومة الحبيب الجملي بسبب سوء اختيار شخصية قادرة على قيادة البلاد في مراحل حرجة، إضافة إلى العمل على الإطاحة بحكومة الياس الفخفاخ. وتحدث زيتون عن الخلافات داخل النهضة سواء السياسية أو الفكرية، قائلاً: “كنا نريد تخليص الدين من الصراع السياسي لكنه أصبح جزء من الصراع التنظيمي”.
ويزيد قرار زيتون بانسحابه من هياكل النهضة من تعمق الأزمة الداخلية في حركة النهضة عقب إصرار راشد الغنوشي على التمديد كرئيس للحركة في تجاوز للنظام الداخلي.
في سياق متصل قال القيادي في النهضة زبير الشهودي: إن القيادات المعارضة للتمديد للغنوشي ستلجأ إلى كل الوسائل بما في ذلك التوجه إلى القضاء في حال تغيير القانون الأساسي للحركة. وأكد أن القيادات الرافضة للتمديد للغنوشي لهم وزنهم في صلب الهياكل الرئيسية للحركة، بما في ذلك مجلس شورتها ومكتبها التنفيذي إضافة إلى كتلة الحزب البرلمانية، وعبر عن رفضه لمبادرة أطلقتها أطراف مقربة من الغنوشي، على غرار صهره رفيق عبدالسلام ورئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، لتخفيف الأزمة قائلاً بأنها ولدت “ميتة”.
وكان كل من الهاروني ورفيق عبدالسلام طرحا مبادرة الأسبوع الماضي تتمثل في الدعوة إلى تأجيل موعد مؤتمر النهضة والى المحافظة على موقع الغنوشي كمتزعم للحركة بغضّ النظر عن رئيس الحزب الذي سيتم انتخابه خلال المؤتمر المفترض عقده. وبرر القياديان موقفهما بان الخطوة تهدف إلى ضمان تماسك الحركة وعدم تعريضها إلى الانقسام.
والخلاف قائم داخل الحزب مع اعتراض قيادات في الحركة تعرف بمجموعة الـ100 لترشيح الغنوشي، الذي يتزعم الحركة منذ تأسيسها، من أجل ولاية جديدة وسط مخاوف من انقسام الحزب. ووجهت المجموعة المعارضة رسالة إلى الغنوشي تطالب من خلالها بعدم التجديد لولاية جديدة وبإصلاحات ديمقراطية داخل الحركة، وهي الرسالة الثانية في خلال شهر.
ورد الغنوشي على الرسالة بخطاب قوي اللهجة حيث وصف القيادات بانهم “عساكر الليل”، مضيفا “بان الزعماء جلودهم خشنة، يتحملون الصدمات، ويستوعبون تقلبات الزمان، ويقاومون عامل التهرئة”.
وينص النظام الداخلي للحزب أنه “لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين. ويتفرغ رئيس الحزب فور انتخابه لمهامه”. ويجمع الغنوشي حتى الآن بين رئاسة الحركة ومنصب رئاسة البرلمان، الذي يشغله منذ فوز حزبه بالانتخابات التشريعية الأخيرة في 2019 .