من نيس إلى فيينا.. الغرب يدفع ثمن احتضانه الجماعات التكفيرية
كشف الهجوم الإرهابي في فيينا وقبله الهجمات التي تعرّضت لها فرنسا ودول أوروبية أخرى عن ثغرات في المنظومتين الأمنية والقانونية في أوروبا عموماً، فالإرهابي الذي نفّذ هجوم نيس الأخير قدم من ايطاليا، التي وصلها بشكل غير قانوني (في رحلة هجرة سرية)، ومنها إلى فرنسا ببطاقة هوية مزوّرة، ونفّذ الهجوم بعد ساعات قليلة من وصوله. وأحد المهاجمين في اعتداء فيينا الاثنين خضع في السابق لبرنامج إعادة تأهيل التكفيريين، ومعروف لدى السلطات النمساوية، ولكنه انضم لمجموعة مسلّحة، وشارك في الاعتداء الإرهابي.
دول أوروبية تحوّلت إلى قواعد خلفية للتطرّف
في نيسان 2019 حُكم على منفذ هجوم فيينا بالسجن 22 شهراً لمحاولته التوجّه إلى سورية للانضمام إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، لكن تمّ الإفراج عنه في شكل مبكر. وثمة مناطق في دول أوروبية تحوّلت إلى قواعد خلفية للتطرّف والإرهاب، حيث ينشط أفراد أو جماعات بعض منهم اعتقل وخضع لمحاكمات وإفراج تحت المراقبة ليعود لنفس الممارسات. ومن بين تلك المناطق منطقة مولنبيك في بلجيكا، التي تحوّلت بؤرة للتطرّف، ومنها انطلق بعض منفذي هجمات باريس الدموية في 2015.
وفي مؤشر على أن هجوم فيينا ليس معزولاً عن الخلل الكامن في المنظومة الأمنية الأوروبية، قالت السلطات في مدينة زوريخ السويسرية: إن الشرطة اعتقلت رجلين ضمن تحقيق في صلات محتملة بالمشتبه به الرئيسي في هجوم بالرصاص في العاصمة النمساوية. وفيما يمكن وصفه بإرهاب عابر للحدود بين الدول الأوروبية، لم يكن اعتقال شخصين في سويسرا استثناء أو سابقة يمكن البناء عليها في المجادلة بفرضية الخلل الأمني والقانوني، فبعض من منفذي هجمات باريس تنقّلوا بين فرنسا وبلجيكا، وتحديداً بين باريس ومولنبيك (التي تعتبر بؤرة كبيرة للتطرّف وقاعدة خلفية جرى التخطيط فيها لهجمات باريس الدموية في 2015) بكل سهولة.
وفي حال صحّت فرضية ارتباط الرجلين في سويسرا بمنفذ هجوم فيينا، فإن ذلك يشير إلى شبكات ممتدة بين عدد من الدول الأوروبية، وإلى وجود تواصل وتنسيق ربما تحضيراً للمزيد من الهجمات على طريقة “الذئاب المنفردة”.
وفي أيلول، حُكم على رجل بالسجن 50 شهراً لدعمه تنظيم “داعش” الإرهابي وتجنيده أفراداً من أجل الانضمام للتنظيم. وأطلقت وسائل الإعلام السويسرية على هذا الرجل لقب “أمير فينترتور” ووصفه المدعون بأنه شخصية بارزة بين التكفيريين في سويسرا.
خلل في المنظومة القانونية والأمنية
وبالاستناد إلى هذه المعطيات وإلى تفاصيل لهجمات إرهابية أخرى كان بعض من منفذيها معروفون لدى السلطات في فرنسا وفي بلجيكا وغيرهما ومع ذلك نجحوا في تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية، يبرز خلل ما، فهل الإرهابيون الذين نفّذوا سلسلة اعتداءات في مختلف أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة أكثر قدرة وذكاء وإمكانات من أعتى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أم أن الأمر يتعلق بخلل ما في المنظومة القانونية والأمنية في أوروبا؟!.
وتكتسب هذه الأسئلة مشروعيتها من كون الإرهاب بات فعلاً متكرراً يهدأ لفترة ويضرب في أخرى تبدو مدروسة بدقة. بعض المحللين يذهبون إلى أن أوروبا تكتوي بقوانين الحريات، التي أتاحت لجماعات “الإسلام السياسي”، وخاصة تنظيم الإخوان والوهابية، التمدّد والاستقطاب والتجنيد ونشر التطرّف، وبعضهم الآخر يرى أن هناك قصوراً وتقصيراً في المتابعة والمراقبة، وأن أوروبا لم تأخذ في اعتبارها أن هناك من يمكن أن يستثمر قوانينها لضرب السلم والاستقرار فيها.
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها حكومات أوروبية تمكن تكفيريون من تنفيذ مخططاتهم، ما يؤكّد حتمية وجود ثغرات بحاجة إلى معالجة، سواء تعلّق الأمر بما تسميها دول غربية بـ”التطرف الإسلاموي”، والذي صمت عليه طويلاً عندما ضرب دول أخرى، أو بالتطرّف عموماً غير المرتبط بالدين.
وتعرّضت دول في الاتحاد الأوروبي لهجمات رئيسية نفذها تكفيريون منذ العام 2015، وكانت النمسا حتى الآن بمنأى نسبياً عن هذه الهجمات، لكن في حزيران 2017 قتل تونسي من أنصار “داعش” بوحشية زوجين ثمانينيين في منزلهما في لينتس في شمال البلاد.
فرنسا تدفع الثمن الأكبر
وشهدت فرنسا منذ كانون الثاني 2015 سلسلة هجمات أسفرت عن سقوط نحو 260 قتيلاً. الهجوم الأول وقع في السابع من كانون الثاني عندما قتل شقيقان، أعلنا ولاءهما لتنظيم “القاعدة”، 12 شخصاً في هجوم على صحيفة شارلي أيبدو الأسبوعية الساخرة في باريس. وفي اليوم التالي، أطلق رجل مرتبط بتنظيم “داعش” النار على شرطية في إحدى ضواحي باريس فقتلها. وأحتجز رهائن في متجر قرب باريس وقتل أربعة أشخاص.
وفي تشرين الثاني 2015 ، شهدت فرنسا أسوأ هجوم إرهابي في تاريخها عندما هاجم انتحاريون عدة مواقع وقتلوا 130 شخصاً وأصابوا 350 آخرين. ومن بين المواقع المستهدفة قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية وحانات ومطاعم ومحيط ملعب ستاد دو فرانس شمال العاصمة. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجمات.
وفي 14 تموز 2016، صدم رجل بشاحنة حشداً في مدينة نيس على البحر المتوسط (جنوب شرق) وقتل 86 شخصاً وأصاب 450 آخرين خلال الاحتفال بالعيد الوطني. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم أيضاً.
وضمن الهجمات الرئيسية أيضاً، ذبح تكفيريان كاهناً في كنيسته في بلدة سان إيتان روفري في منطقة نورماندي في 26 تموز 2016. وقتلا بعد إطلاق النار عليهما. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم كذلك.
وفي 23 آذار 2018، سقط أربعة قتلى و15 جريحاً في عدة هجمات نفذها رجل في كاركاسون وفي متجر سوبرماكرت في تريب (جنوب) وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنها.
وفي 11 كانون الأول من 2018، قتل خمسة أشخاص في السوق الميلادية الشهيرة في ستراسبورغ (شمال شرق) على يد رجل أعلن ولاءه لتنظيم “داعش”.
وفي 16 تشرين الأول 2020، قطع رأس مدرس تاريخ في كونفلان-سانت-أونورين في منطقة باريس بعدما عرض على تلاميذه رسوماً كاريكاتورية تمثّل النبي الكريم.
وفي 29 تشرين الأول 2020 أقدم تونسي، وفد قبل فترة قصيرة إلى أوروبا، على قتل ثلاثة مصلين طعنا بالسكين في كاتدرائية نيس (جنوب شرق). وأعلن تنظيم “داعش” كذلك، مسؤوليته عن عدة عمليات قتل فيها عناصر في الشرطة.
الإرهاب بات فعلاً متكرراً في أوروبا
وفي 22 آذار 2017 صدم بريطاني تكفيري بسيارته حشوداً عند جسر ويستمنستر في لندن ومن ثم طعن شرطياً ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى.
وفي 22 أيار من السنة نفسها، فجّر بريطاني من أصول ليبية نفسه عند أحد مخارج حفلة أقامتها المغنية الأميركية أريانا غرانده في مانشستر في شمال غرب إنكلترا، مخلفا 22 قتيلاً و116 جريحاً.
وفي الثالث من حزيران، اقتحمت شاحنة صغيرة الجموع على جسر لندن بريدج وعمد ركابها الثلاثة بعد ذلك إلى طعن المارة قبل أن ترديهم الشرطة. وكانت الحصيلة ثمانية قتلى ونحو خمسين جريحاً.
وفي 15 أيلول انفجرت عبوة يدوية الصنع في قطار الأنفاق في لندن مصيبة 30 شخصاً بجروح. وفي 29 تشرين الثاني 2019، قتل شخصان في هجوم نفذ بسكين في لندن. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هذه الهجمات كلها.
وفي 17 آب 2017، صدم رجل بشاحنة صغيرة المارة في منطقة لاس رامبلاس في برشلونة (اسبانيا). وبعد ساعات قليلة، نفذ خمسة من شركائه هجوماً مماثلاً في منطقة كامبريلس الساحلية على بعد 120 كيلومتراً جنوباً، وأسفر الهجومان عن 16 قتيلاً و125 جريحاً، وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنهما.
وفي 22 آذار 2016، قتل 23 شخصاً وجرح أكثر من 340 في هجمات انتحارية على مطار بروكسل ومحطة قطارات في العاصمة البلجيكية قرب مقر الاتحاد الأوروبي، وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجمات.
وفي 29 أيار 2018، قتل تكفيري من أصحاب الجنح، امرأتين من عناصر الشرطة وطالباً. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم أيضاً.
في 19 كانون الأول 2016، سرق رجل شاحنة وقتل سائقها البولندي وصدم بها حشداً من الناس في سوق عيد الميلاد المزدحم في برلين ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين.
وفي 14 شباط 2015، قتل دنماركي أعلن ولاءه لتنظيم “داعش”، سينمائياً في مركز ثقافي في كوبنهاغن كان يستضيف منتدى حول “الإسلام وحرية التعبير”. وبعد ساعات قتل رجل أمام كنيس يهودي رئيسي في المدينة. وقتلت الشرطة المهاجم لاحقاً.
وفي 18 آذار 2019، قتل رجل من أصول تركية أربعة أشخاص في تراموي في أوتريخت (هولندا).
وفي 18 آب 2017، قتل تكفيري شخصين وجرح ثمانية في توركو في جنوب غرب الدنمارك.
في السابع من نيسان 2017، اقتحمت شاحنة شارعاً مخصصاً للمشاة في ستوكهولم ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى. وأكد السائق وهو من أوزبكستان أنه ارتكب “هجوماً إرهابياً”.
تلك الهجمات جعلت القادة الأوروبيون يتخذون جملة من القرارات الفعلية لمواجهة تنامي الفكر التكفيري في أوروبا والتصدّي لداعميه، ويرى مراقبون أن أي قانون أوروبي موحّد لمكافحة الإرهاب يجب أن يواجه الدول الداعمة له، وخاصة لتنظيمات “الإسلام السياسي” على غرار تنظيم “الإخوان”، الذي تمتع لعقود بمنافع قوانين حقوق الإنسان واستغلها لنشر الأفكار المتطرّفة، ويضيفون: إن الدعوات من قبل المسؤولين الأوروبيين قد تأخر، ولكنه ضروري لمواجهة خطر التطرّف، حيث تحوّلت الأراضي الأوروبية إلى منطقة رخوة لتفريخ الإرهاب.