الأديب خالد جمعة أديب معوق بقامة جَسَدٍ مُعافى
دير الزور- وائل حميدي
لم يكن يدري أن مرضاً نادراً سيختاره من بين مليون شخص وهي نسبة الإصابة البشرية به، ولم يتمكّن أحد من الأطباء من تشخيص حالته الصحية إلى أن لجأ إلى الانترنت وحصر شكوكه بهذا المرض الغريب الذي تناول أصابع أطرافه تِباعاً.
أشدّ المتفائلين كان على يقين بأن هذا المرض سيكسر قلمه ويوقف إبداعه ويضعه في خانة الانطواء والحزن، ولكن ما حدث العكس تماماً، حيث شكَّلَ وضعه الجسدي الجديد دافعاً لتحقيق هدفه، بل تمادى بأحلامه إلى ما لا يتوقعه أحد. إنه الأديب والناقد خالد جمعة، ابن دير الزور، ذو العقد الخامس من العمر، الذي عُرِف عنه فتوّته وهو شاب، ثم عُرِفَ عنه جَبروته بعد المرض.
داء “بيرغر” أو ما يُسمّى نقص تروية الأطراف مرض نادر يصيب نسبة واحد بالمليون من كل شخص بعمر الشباب، يأتي دون مقدمات وعلى موجات متكررة غير منتظمة، أولى مؤشراته اسوداد أحد الأصابع إلى ما يُشبه أعراض الغرغرينا، يضطر صاحبه إلى بتره، وبعد فترة تبدأ أعراضه من جديد في إصبع آخر فيتمّ بتره، وهكذا إلى أن ينال من كامل كف اليد الذي يتمّ بتره عند مسافة معينة لضمان عدم امتداده نحو الذراع، ثم يبدأ بأصابع القدم ضمن نفس السيناريو فيكون البتر من عند الركبة لذات أسباب ضمان عدم امتداده نحو عظم الفخذ.
مشاهدة الأديب خالد أصابعه تسقط تِباعاً أمام عينيه، وفي كل مرة كان يرى مستقبله الأدبي ونتاجه الشعري في صورة أبهى. وبالفعل فقد طبع أولى مجموعاته الشعرية (وتبقى الأغصان) عام ٢٠١٦ وقد فقد ذراعيه فقط وقتها، ثم طُبعَ له مجموعته الشعرية الثانية (هكذا غنَّى الفرات)، ثم أُعيد طباعة مجموعتيه لمرتين على التوالي لما لمضمونهما من صور شعرية رائعة، عام ٢٠١٧ تمّ بتر قدمه اليسرى فكانت أولى رواياته (أوراق) التي دخلت في مرحلة الطباعة مؤخراً.
تمّ تكريمه خلال مسيرته الأدبية تسع مرات، وهو عدد العمليات الجراحية التي خضع لها، وحصل على ثلاث جوائز (وهو عدد نتاجه الأدبي) قدّمتها له نقابة المعلمين التي ينحدر منها، ثم اتحاد الكتّاب، ثم المركز الثقافي الإيراني.
يقول الأديب خالد جمعة بأن المرض كان طاقة إيجابية كبيرة أراد من خلاله أن يُثبت لنفسه تفوّقه على المرض النادر الذي لا علاج له لغاية اليوم سوى الحُبوب المُمَيّعة، ولولا ضيق الحال لما لجأ إلى إحدى الجمعيات الخيرية التي زوّدته بقدم صناعية تضايقه جداً نظراً لقِدَم نوعيتها ولوزنها الزائد، وكل أحلامه اليوم أن يتمكن من الاستغناء عن عكازته بتركيب ساق ذات نوعية أفضل، وذراع متحركة يريدها أن تكون عوناً له في الكتابة.
أخيراً يقول جمعة: شاء لُطف الله بي أن بقيت في ذراعي اليمنى زائدة لحمية صغيرة هي التي أستخدمُها في جوالي وحاسوبي، وكل ما يتمناه ذراع متحركة تساعده على تقديم المزيد من الأدب والنقد.
مما كتبه جمعة:
يا امرأة/ أعيدي تكويني.. صياغتي/ أعتذر.. عن تاريخ بلا أنتِ/ عن جرح وتساؤل. أعظم ذنوبي.. سيدتي/ أني كنت بلا عنوان/ أخطائي المعتّقة/ مع نساء بلا نساء/ أتساقط مع مطر خيباتي. وأكتبُ أغنيتي/ عبرَ المتاهات/ يا امرأة/ أرسم عينيكِ وطناً/ يقيناً/ وجوداً/ حتى تصبحين لحناً سريالياً.
يا امرأة/ تبحثين عن نفسك/ في قلب شاعر/ يسعدني أن تكوني/ أنتِ/ في تشردي وتبعثري/ تعلنين حضورك/ في تفاصيل حياتي/ في طرقاتي.. وحبات المطر/ متصوِّفا/ أضناني الظمأ.
يا امرأة/ تسكنيني منذ الأزل/ أألقاك في حلمي/ في يقظتي؟/ لتسكبي فوق ذاتي/ من أعماقك عطراً/ نثراً/ وشعراً/ غداة فجر أصيل/ ألقاك/ بلا إثمٍ/ فيطول أمدي والتجلي/ لأصنع بك ما أشاء.