الإرهاب الاقتصادي.. نهج أمريكي ضدّ الدول المستقلة
د.معن منيف سليمان
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب الاقتصادي ضدّ الدول المستقلة التي لا تسير وفق نهجها، وتؤدّي مقاومة هذه الدول للهيمنة الأمريكية لفرض عقوبات لا شرعية ولا إنسانية عليها من قبل الإدارة الأمريكية، ما يترتب على ذلك آثار سلبية مستمرّة تنعكس على رفاهية مواطني هذه الدول وحياتهم اليومية وقدرتهم على التمتع بخدمات الصحة والتعليم الأساسية، الأمر الذي يستدعي اتخاذ قرارات صارمة ونهائية ومؤثرة من قبل دول العالم الحر لمواجهة النهج الأمريكي.
يقصد بالإرهاب الاقتصادي مجموعة الأعمال التخريبية، ومحاولات التدمير التي تستهدف تعطيل برامج ومشاريع التنمية الاقتصادية، وتدمير البنى التحتية في الدول والمجتمعات الإنسانية، بهدف إبقاء تلك الدول والمجتمعات متخلّفة، ولا تتمكن من تحقيق الاستقلال الاقتصادي الذي يؤدّي إلى التحرر والانعتاق الاجتماعي والاستقلال السياسي الفعلي. ويُمارس الإرهاب الاقتصادي من قبل دولة ضدّ دولة أخرى، أو دولة ضدّ مجموعة دول، أو مجموعة دول ضدّ مجموعة دول أخرى، أو مجموعة دول ضدّ دولة بعينها، وذلك بهدف السيطرة على مقدرات وموارد وإمكانات الدولة، أو الدول المستهدفة، وإحكام تبعيتها الاقتصادية للدولة أو الدول أو مجموعة الدول المتبنية لهذا النوع من الإرهاب.
وفي هذا السياق، تحوّلت العقوبات الاقتصادية اللاشرعية الأكثر استخداماً في سياسة السيطرة الأمريكية. وأصبحت البديل عن الحروب العسكرية، لمحاولة تغيير القرارات الإستراتيجية للدول والجهات الفاعلة التي تهدّد مصالحها، ولفرض تغييرات جيو سياسية تصب في الاستراتيجية الأمريكية. وقد لجأت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب إلى سياسة فرض العقوبات واستخدام الدولار كسلاح ضدّ بعض الدول كإحدى أدوات سياساتها الاقتصادية. وتعدّ سياستها هذه من أخطر أنواع السياسات التي تندرج في إطار السياسات الدولية، من خلال ممارسة الضغط على الدول المستهدفة بالعقوبات بهدف تغيير مواقفها في الاتجاه الذي تريده.
وتسعى أمريكا إلى افتعال الأزمات وزرع الفتن في بعض الدول الخارجة على إرادتها، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار السياسي والأمني في هذه الدول لضمان ضرب مشاريع التنمية أو تعطيلها لضمان تدفق رؤوس الأموال الوطنية من هذه الدول إلى الأسواق الأمريكية، كما يحدث في بعض الدول العربية والعديد من الدول الأفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية. وكما يحصل أيضاً مع إيران، التي ما زالت ترزح تحت حصار اقتصادي منذ أربعين عاماً، لتزداد حدّته من قبل الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة، فعمدت إلى فرض عقوبات على مشتري النفط الخام الإيراني ومنتجاته، كما حالت العقوبات الأمريكية دون شراء الأدوية والمعدّات الطبية ما يمثّل جريمة ضدّ الإنسانية.
كما تتمثل هذه السياسة العدائية من خلال العقوبات على فنزويلا التي بدأت تفتقد للوقود فيما هي تملك أهم احتياطات نفطية في العالم.
وتتهم الصين واشنطن بممارسة إرهاب اقتصادي مكشوف ضدّها. وقد كان إدراج العملاق الصيني “هواوي” على القائمة السوداء أحد أبرز فصول ملفات التوتر في غمرة الحرب التجارية بين البلدين، وباتت القوتان الاقتصاديتان على طرفي نقيض بعد تعثّر ظاهر للمفاوضات بينهما، وقد عمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رفع الرسوم الجمركية على بضائع صينية وإدراج عملاق الاتصالات الصيني “هواوي” على القائمة السوداء.
وكذلك على دول أخرى في العالم، حتى أن حلفاء واشنطن لا يسلمون من هذه العقوبات، كما أنها دائماً ما تطالب الدول بالتعويض عليها كما يفعل ترامب بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، أو في علاقته مع دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية على الرغم من خضوعها التام لسيطرة واشنطن وقبولها بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومن النماذج أيضاً ما أوصَت به لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري بالكونغرس الأمريكي، في غمرة اشتداد الأزمة المالية الاقتصادية النقدية المعيشية في لبنان من عقوبات يمكن أن تستهدف شخصيات في المقاومة أو مقرّبة منها أو من حلفائها.
إن البلدان التي تخضع لهذه الإجراءات تتعامل مع ضغوط وتحديات إضافية في مواجهة وباء كورونا إلى جانب الآثار السلبية المستمرة لهذه الإجراءات غير القانونية على رفاهية المواطنين وحياتهم اليومية وقدرتهم على التمتّع بخدمات الصحة والتعليم الأساسية.
وفوق كل ذلك، فإن ما تقوم به واشنطن في تعاملها مع هذه الدول هو إرهاب اقتصادي يخرق السيادة الوطنية التي تُعدّ السلطة العليا للدولة في إدارة شؤونها في الداخل وفي علاقاتها الخارجية.
وكما تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع سورية اليوم حيث تم إحراق حقول القمح والسيطرة على الآبار النفطية السورية وفرض حصار خانق عليها من خلال ما يعرف حالياً بـ”قانون قيصر”، وهو أحد أكثر النماذج خطورة للإرهاب الاقتصادي اليوم. المشكلة الكبرى هي أن هذا القانون لا يمس سورية فقط، بل يمس أيضاً كل الدول التي يمكن أن تتعامل معها بشكل أو بآخر ما سيؤدّي إلى خنق سورية وغيرها من الدول المستهدفة.
ومن هنا يمكن فهم استهدافه، بالإضافة إلى الهيئات السورية المعنية، الهيئات والشخصيات الروسية والإيرانية تحديداً التي تشكل الداعم الرئيس والشريك الفاعل في مرحلتي الحرب على الإرهاب ومرحلة إعادة الإعمار. إذ أن استهداف الهيئات الروسية والإيرانية يهدف إلى تجفيف ينابيع الدعم المتبادل بين دول هذا المحور الذي حارب الإرهاب في سورية.
لقد أدّت الإجراءات القسرية أحادية الجانب إلى إضعاف قدرة القطاع الطبي العام والخاص في سورية على استيراد الأدوية والمواد الطبية بسبب استهداف هذه الإجراءات الصارمة للقطاع المصرفي السوري وخاصة في مجال التحويلات المصرفية الأجنبية إلى جانب تأثيرها على قدرة القطاعات الاقتصادية الرئيسة على أداء مهامها بفعالية ولا سيما في مجالات الطاقة والخدمات المصرفية والصناعة والنقل والاتصالات والتجارة الداخلية والخارجية.
إن تعدد أوجه الإرهاب الاقتصادي تكشف زيف الادعاءات الإنسانية التي تحاول أمريكا وأتباعها التلطي وراءها، وربط الدول الأوروبية تقديم المساعدات الإنسانية والطبية بشروط سياسية مسبقة هو سلوك عدواني ممنهج، والحرائق المفتعلة التي تطول حقول القمح والشعير في منطقة الجزيرة، هي إحدى وجوه الإرهاب الاقتصادي، فالقمح محصول استراتيجي طالما اعتمدت عليه سورية بتأمين اكتفائها الذاتي، ولجوء المحتل الأمريكي وأدواته لحرق هذا المحصول وغيره، هو لحرمان السوريين من منتجاتهم الزراعية، وبالتالي منع الدولة السورية من كسر أحد جوانب الحصار الاقتصادي.
واليوم يأخذ الإرهاب الاقتصادي الحيز الأكبر ضمن إستراتيجية العدوان الأمريكية، بسبب إدراك واشنطن لحقيقة مهمّة تتمثل بأن وجودها الاحتلالي لن يدوم طويلاً، ودعمها المتواصل للإرهابيين لن يسعفها في تحقيق مخططاتها الاستعمارية على المدى الطويل، ولذلك تسعّر من حدّة إجراءاتها الاقتصادية القسرية لمحاربة السوريين في لقمة عيشهم.
إن الولايات المتحدة الأمريكية مارست في الأعوام الأخيرة الإرهاب الاقتصادي من خلال الضغوط على بعض الدول المستقلة الخارجة عن إرادتها بما فيها الصين وروسيا في إطار رؤيتها الأحادية وعدم الالتفات إلى الاتفاقات والقرارات الدولية، ولذلك يجب على دول العالم الحرّ اتخاذ قرارات صارمة وحازمة حيال الرؤية الأمريكية العدائية والأحادية الجانب، ومواجهة نهج الإرهاب الاقتصادي الأمريكي.