“النهضة” على حافة الانهيار
محمد كنايسي
أظهرت استطلاعات الرأي في تونس مؤخراً تقدّم الحزب الدستوري الحر على حركة النهضة الإخونجية، حيث أشارت إلى أن الحزب سيحصل على حوالى 34% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية القادمة مقابل 17 % فقط للحركة، مما سيقلب المشهد السياسي في البلاد رأساً على عقب.
وما يزيد من أهمية هذه الاستطلاعات هو أن استطلاعات أخرى سبقتها أكدت على تقدم الحزب في نوايا التصويت مما يعني أن الأمر يتعلق بتوجه ثابت نسبياً وليس طارئاً وظرفياً. لا يعني ذلك أن استطلاعات الرأي ثابتة وغير قابلة للتغيير، فقد يحدث ما يغيّرها، ولاسيما على صعيد النسب التي يمكن أن تزيد أو تنقص، كما يمكن أن يصيب التغيير النتيجة نفسها فيخسر المتقدّم في الاستطلاعات تقدّمه، ويتحسّن وضع المتقهقر.
ومع ذلك فإن في المشهد السياسي التونسي مؤشرات قوية على تراجع حركة النهضة، تراجع يمكن إعادته إلى ثلاثة عوامل أساسية، أولها الإخفاق الحكومي الذريع في حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد، حيث تتحمّل الحركة المسؤولية الأكبر عن هذا الإخفاق، كونها مشاركة في كل الحكومات المتعاقبة على البلاد بعد ولادة الجمهورية الثانية، إما من خلال تشكيل الحكومة ورئاستها، أو من خلال التواجد الوازن فيها. وثانيها أن الحركة عرفت في الآونة الأخيرة بشكل خاص صراعات وانشقاقات داخلية أفقدتها بعض رموزها، وأضعفتها على نحو كبير، ورافق ذلك الكشف عما يحدث داخلها من ممارسات لا ديمقراطية وانتهازية، ومن تورّط في الفساد، وتغليب للمصلحة الحزبية والإيديولوجية على المصلحة الوطنية، وارتباط بالأجندة الأردوغانية التي لا تخفي الأطماع العثمانية الجديدة في المشرق والمغرب العربيين رغم الغطاء الاسلاموي الذي تسعى من خلاله إلى تسويق الدور التركي كدور إنقاذي ومدافع عن الإسلام. وثالثها هو الهجوم العنيف الذي تعرّضت له الحركة في شخص زعيمها رئيس البرلمان التونسي من قبل الحزب الدستوري الحر، حيث نجحت رئيسة الحزب نجاحاً لافتاً في تعرية الغنوشي ومحاصرته وفضحه وتجريده من هالة القائد والمفكر الإسلامي، التي طالما حاول أن يجعل منها درعاً حصيناً يحول دون اختراقه وإنزاله إلى الواقع، حيث تظهر حقيقته السياسية البائسة كخادم مطيع لأجندة إخونجية خارجية من جهة، و الحصول على أكبر قدر من المكاسب والمنافع الشخصية من جهة أخرى.
وقد تمكنت عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر عبر محاسبته بطريقة جريئة غير مسبوقة في البرلمان من خلخلة شعبيته على الصعيد الوطني العام، وحتى على صعيد حركته حيث تزايدت الأصوات المطالبة بإنهاء دوره كزعيم تاريخي للحركة.
و إذا استبعدنا أن تكون الحركة قادرة على التخلّص من آثار الضرر الكبير الذي أصاب صورتها، ومعالجة أزمتها البنيوية الداخلية، وخاصة بعد ما قاله القياديون المستقيلون منها من حقائق تؤكّد أنها تقف على حافة انهيار سياسي حتمي، فإن هذا يؤكّد أن نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة يجب أن تؤخذ بجدية تامة في قراءة مستقبل الحركة المحفوف بالمخاطر، حتى وإن لم يكن يعني خروجها من البرلمان وبقائها فيه، لأنها لن تكون تلك الكتلة القوية التي تستطيع السيطرة على السلطة، وصنع التوافقات التي تخدم مصلحتها وأجندتها.
وهذا لن يكون خسارة سياسية فادحة لها داخل تونس فقط، ولكنه سيكون ضربة للحركة الإخونجية العالمية التي اعتقدت خطأ أن النموذج الإخونجي التونسي حقق النجاح المطلوب ولم يعد قابلاً للفشل أيضاً.