المراهنة على “التجارة شطارة” خسارة!
قسيم دحدل
من إنجازات المواطن عند الشراء بعد الغلاء، دفعه للتاجر المستورد أولاً وللبائع بالجملة ثانياً وللموزّع ثالثاً ولبائع المفرق رابعاً، أرباحهم القديمة والجديدة، إضافة لرأس المال الجديد، مع أن السلعة موجودة أصلاً!.
أربع حلقات كلّ منها لها ما ذكرنا، والأمر المثير في غرابته ومنطقيته الاقتصادية والتسويقية، هو أنه لم يعد هناك نسبة أرباح محدّدة لكل تلك الحلقات مجتمعة، توزّع عليهم وفق ما هو موجود ومحدّد في الأنظمة والقوانين التموينية، بل أصبح لكل حلقة نسبتها الخاصة من الربح بمعزل عن غيرها، وفوق ذلك يتمّ تحديدها بشكل كيفيّ من قبل كل حلقة، وهذا أحد أسباب الارتفاعات الكبيرة واليومية في الأسعار!.
حجة تلك الحلقات، أنها لا تستطيع بيع سلعها استناداً للتكاليف والأسعار التي استوردت بها، لأن تغيّر سعر الصرف صعوداً لا يُمكّنها لاحقاً من استيراد السلع نفسها بالمبلغ نفسه الذي استوردت به، لذلك لا مناص أمامها كي لا “تخسر”، من أن تلحق أسعارها سعر الصرف، لأن التسعير متلازم – برأيها – بتغيّر سعر الصرف!، علماً أنها لا تنتهج الحساب نفسه في التسعير حين هبوط سعر الصرف، أي وجوب خفض الأسعار!!.
هذه الإشكالية الجدلية، لا تزال عصيّة على الحلّ، فلا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تحاول وتسعى لإيجاد –على الأقل– حلّ وسط، ولا تلك الحلقات تُقدِّر وترأف بواقع حال القدرة الشرائية للمستهلك، التي بلغت مبلغاً خطيراً في تراجعها، بدأ يتمثّل بمظاهر الكساد ومؤشراته الأخطر على النشاط التجاري والإنتاج الصناعي وخاصة المحلي.
أمرٌ دفع بكل تلك الحلقات لرفع الصوت، محذّرة مما وصلت إليه الحال، حيث تراجعت المشتريات وتقلّصت كثيراً لتصلّ للضرورية جداً!.
أصواتً المُستهجن فيها أن أصحابها لا يريدون أبداً، على ما يبدو، إدراك أنهم من الأسباب الرئيسية في ما وصلوا إليه من مشكلات ونتائج مؤسفة، متناسية أننا في حالة اقتصادية ومعيشية حرجة جداً، سقطت فيها كل حسابات النسبة والتناسب ما بين الدخول والنفقات، حالة كان الأولى بأصحابها، وبدلاً من رفع الصوت، تقديم فعلها، أي أن “تتنازل” عن الأرباح الكبيرة، والاكتفاء بالأرباح المقبولة، كي “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”.
رحم الله أجدادنا كم كانوا حكماء، حين أطلقوا قولهم المأثور: “ساقية جارية ولا نهر مُتقطِّع”؛ قول لا بد من ترجمته في معادلة اقتصادية ولو مرحلياً، حيث الحكمة تقتضي أن ننحني للعاصفة كي تعبر، وإلاَّ كان الانكسار للكل، فهل نصغي لصوت الحكمة بدل المراهنة على “الشطارة بالتجارة” وبالتالي الخسارة؟.
Qassim1965@gmail.com