دراساتصحيفة البعث

واشنطن ترفع منسوب العقوبات على الصين

هيفاء علي

في إطار الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الشركة الصينية العامة للإلكترونيات بزعم أنها تساعد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في فرض رقابة على المعارضة. ووفق وزارة الخزانة الأمريكية، تقدم هذه الشركة خبرتها لشركة الاتصالات العامة الفنزويلية (CANTV)، وبحسب ما ورد، عرضت الشركة الصينية “نسخة تجارية من جدار الحماية العظيم”، وهو جدار الحماية الرقمي الذي أقيم في الصين لمنع الوصول إلى المعلومات التي تعتبرها حساسة سياسياً. وبالتالي ستسمح هذه الإجراءات الأمريكية لواشنطن بتجميد أي أصول تابعة لمركز الشركة الصينية في الولايات المتحدة ومنع وصولها إلى النظام المالي الأمريكي في الوقت الحالي، لأن إستراتيجية خارج الحدود الإقليمية للقانون الأمريكي يجب أن تخيف أي شخص  قريب أو بعيد من الشركة الصينية.

وواشنطن لا تخفي هذا الأمر، حيث أوضح وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، في بيان له، الغرض من هذه العقوبات، أن الولايات المتحدة لن تتردّد في استهداف أي شخص يخنق الإرادة الديمقراطية للفنزويليين وغيرهم في جميع أنحاء البلاد، حسب زعمه.

لم يفاجأ موريس ليموان، المتخصّص في شؤون أمريكا اللاتينية ورئيس التحرير السابق لصحيفة “لوموند ديبلوماتيك” بهذه الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، والتي تفرض عقوبات على جميع الشركات التي تعمل بطريقة أو بأخرى مع فنزويلا. ومنذ كانون الثاني 2019، اعترفت واشنطن بخصمها خوان غوايدو كرئيس مؤقت، داعية إلى الإطاحة بنيكولاس مادورو. وبعد ثلاثة أشهر، ضرب الحظر الأمريكي كاراكاس مباشرة، وحظر على أي شركة أمريكية شراء النفط الفنزويلي- المورد الرئيسي للبلاد- وكذلك أي شركة أجنبية أخرى ترغب في الحصول عليه من خلال الدولار. وهناك على سبيل المثال شركتان أوروبيتان في مرمى النيران الأمريكية هما “ريبسول” الإسبانية، و “إيني” الإيطالية مهدّدتان بفرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة على استمرار عملهما في فنزويلا، وهذا يوضح مشكلة هذه الأحادية لواشنطن التي أصبحت لا تطاق للجميع.

لا أحد ينسى العقوبات الأمريكية في حزيران 2020 والتي استهدفت قباطنة الناقلات الإيرانية لشحن النفط إلى فنزويلا، لكن هذه المبادرة من جانب واشنطن تأتي في سياق معين، فقبل أيام قليلة من الانتخابات التشريعية التي ستجرى في كاراكاس في 6 كانون الأول، وبينما دعا خوان غوايدو من جانبه إلى مقاطعة هذه الانتخابات، فإن طرفاً آخر من المعارضة، برعاية الرئيس السابق لمجلس النواب هنريك كابريليس، يرغب في المشاركة.

تسعى واشنطن لتشويه سمعة مادورو، لكن فنزويلا ندّدت بـ”الأعمال غير القانونية لحكومة الولايات المتحدة” التي تحاول “زعزعة استقرار” البلاد مع اقتراب موعد الاقتراع. يذهب موريس ليموين إلى أبعد من ذلك بالقول: “التدخل الأمريكي هو ظاهرة رئيسية في العقد الأخير. هذا التدخل ثابت  منذ عام 2013، وحتى قبل ذلك، لكن بالطبع هناك هجوم كبير الآن ضد فنزويلا حيث تجري الانتخابات”. هذه العقوبات تخدم المعارضة الفنزويلية، وكذلك تستهدف بكين، فخلال مؤتمر صحفي، شجبت المتحدثة باسم الدبلوماسية الصينية هوا تشون ينغ، في الأول من كانون الأول، ذريعة الولايات المتحدة لمهاجمة الشركات الفنزويلية والصينية، وهدّدت بالانتقام.

وإذا كانت الطبيعة الدقيقة للروابط بين كاراكاس وبكين موثقة بشكل كبير، فهناك تعاون اقتصادي وسياسي ثنائي في إطار الإستراتيجية الصينية لـ”طرق الحرير الجديدة” التي تشمل أمريكا اللاتينية بأكملها. حيث هناك استثمارات صينية متعدّدة في الإكوادور والبرازيل وحتى وجود شركات صينية في كولومبيا، أقرب حليف لواشنطن في المنطقة. إن تطور هذا التأثير فيما يعتبره البيت الأبيض “ساحته الخلفية” يثير استياء الولايات المتحدة إلى حدّ كبير، وخاصةً بعد أن باتت الصين أكبر شريك تجاري للبرازيل، ولم تعد الولايات المتحدة. ذلك أن بكين هي أكبر زبون للبرازيل، 28٪ من إجمالي الصادرات، مقابل 13٪ للولايات المتحدة في 2019، وأيضاً أكبر مورد لها (19.9٪). الواردات مقابل (17.2٪).

هذه هي الحال أيضاً من الناحية الإستراتيجية مع روسيا، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال اجتماع مع مادورو في شباط الماضي عن تعزيز الشراكة بين روسيا وفنزويلا بالقول: “سنعمل على تطوير التعاون العسكري والفني لضمان سلامة أصدقائنا، وخاصة في مواجهة التهديدات الخارجية”. فهل حركت هذه التصريحات قلق الولايات المتحدة ومخاوفها في المنطقة؟. بالتأكيد الجواب: نعم.