لا خوف على سورية
محمد كنايسي
في تونس تدور معظم الأسئلة التي يوجهها لي الأصدقاء حول الوضع الراهن في سورية وآفاق المستقبل. وألمس من أسئلتهم خوفاً على هذا البلد الذي يعتبرونه الأمل الأخير للعروبة ومشروعها النهضوي. بعضهم يخشى أن تتخلى سورية عن نهجها القومي بعدما لقيته من غدر الأنظمة العربية التي دعمت الإرهاب التكفيري، ووضعت إمكانياتها المالية والإعلامية والسياسية في خدمته..
وبعضهم الآخر يخشى من الاحتلالين الأمريكي والتركي فضلاً عن الاحتلال الصهيوني على مستقبل سورية، كما يرى في استمرار وجود الإرهاب بشقيه الاسلاموي التكفيري والانفصالي الكردي تهديداً لوحدة الدولة الوطنية السورية أرضاً وشعباً..
وكلها أسئلة ومخاوف مشروعة تصدر عن حب حقيقي لهذا البلد العربي المقاوم وخوف عليه، ولاسيما بعد أن أدى انتصاره على الإرهاب، وإفشاله المشروع الأمريكي الصهيوني إلى فضح حقيقة المؤامرة الكبرى التي حيكت خيوطها تحت مسمى “الربيع العربي” لتفكيك الدول العربية، والقضاء على المقاومة، وتصفية قضية فلسطين..
والحقيقة أن غالبية الشعب التونسي تدرك اليوم هذه الحقيقة، وتعرف أنه لولا سورية، وشجاعة قيادتها، وصمود شعبها وبطولات جيشها، لكان الإرهاب التكفيري يسيطر اليوم على تونس. وهذا ما يفسر مطالبة الشعب التونسي بإعادة العلاقات مع سورية، ومحاسبة المتورطين في إرسال الإرهابيين إليها، ولاسيما خلال مرحلة حكم الترويكا ( 2011- 2014) التي شهدت تورط الإسلامويين، بمختلف اتجاهاتهم، وعلى رأسهم حركة النهضة الإخونجية في تجنيد الشباب التونسي، وإرساله إلى سورية، كما شهدت استضافة مؤتمر أصدقاء سورية سيئ الصيت. وليس من قبيل الصدفة أن تكون محاسبة المتورطين في التآمر على سورية وإعادة العلاقات معها من أهم الشعارات الانتخابية البرلمانية والرئاسية في تونس، بل هي ترجمة لرغبة الشعب، حتى وإن لم يتم تنفيذها عملياً بسبب عدم القدرة على تحدي القوى الغربية والرجعية العربية..
على أن هذا لن يستمر إلى ما لا نهاية، فبسبب الضغط الشعبي من جهة، و التطورات على الصعيدين الدولي والإقليمي من جهة أخرى، أصبحت إعادة العلاقات مع سورية مطلباً بل حاجة وطنية حيوية، ليس لتونس فقط، بل للدول العربية الأخرى التي أقدمت عل قطعها في سياق تنفيذ الأجندة الأمريكية الصهيونية..
وأما ردي على أسئلة الأصدقاء واستفساراتهم فهو أن سورية في أيد أمينة، وأن السيد الرئيس بشار الأسد أوضح في غير كلمة وخطاب أن العروبة لا تتحمل وزر أخطاء بعض العرب، كما أن قضية فلسطين لا تتحمل وزر غدر فصيل فلسطيني، فالعروبة انتماء حضاري جامع، ولا أمل في حماية الدولة الوطنية العربية ذاتها خارجه. فليطمئن أصدقاء سورية الحقيقيون عليها، وليتيقنوا من أن قلعة العروبة مستمرة في التصدي والمقاومة حتى تحرير آخر شبر من أرضها الطاهرة من الإرهاب والاحتلال..
صحيح أن الشعب السوري يعاني اليوم الأمرين من العقوبات الاقتصادية الجائرة، لكن البلد الذي تمكن من الانتصار في الحرب العسكرية قادر على الانتصار في الحرب الاقتصادية حتماً..
ويبقي المشروع العروبي النهضوي مشروع سورية الاستراتيجي، ليس لأسباب تاريخية وإيديولوجية فقط، بل ولأسباب واقعية تمليها المصلحة السورية والمصلحة الوطنية العربية أيضاً.