اقتصادصحيفة البعث

الفساد في ميزان القانون والتطبيق..؟!

قسيم دحدل

ثمّة قضايا بقدر ما هي خطيرة جداً على كيان الدولة الاقتصادي والمالي والتنموي والاجتماعي، وبالتالي مستقبل هذا الكيان وتطوّره وتقدّمه ورفاهيته، بقدر ما لها حساسيّة فائقة، لناحية القدرة على إثبات، ليس وجودها بل وقوعها فعلاً، ومن ثم إدانتها بالدليل القاطع، وهنا “مربط الفرس” كما يُقال.

إنها قضايا الفساد بمختلف جبهاته وأنواعه وألوانه، وهنا نستعير من صديق وخبير قانوني مخضرم استشهاده بمقولة شهيرة لأفلاطون، حين سئل حول دور القوانين بانتشار الفساد في سورية؟ قال إفلاطون: “من الأفضل أن يكون للشعب قضاة جيدون، وقوانين سيئة من أن يكون له قضاة فاسدون وقوانين جيدة”.

ولأننا دولة مؤسّسات بُنِيَتْ على أسس قانونية قوية، ما مكّننا من الوصول إلى ما نحن عليه من قوة ومنعة وتحصين، بدليل أنه وعلى الرغم من تكالب أكثر من مئة دولة لجعل سورية دولة فاشلة، لم تستطع جعلها كما يشتهون، مع كل ما أعدّته واستنفرته واستخدمته من أدوات وأساليب الإرهاب المادي والقانوني والمعنوي المدمّر على مدار التسع سنوات، وانتقالها حالياً إلى مرحلة الإرهاب الاقتصادي الخانق، بغية إخضاعنا والسيطرة على قرارنا السيادي.

اليوم ما يفصلنا عن إعلان النصر التام المؤزّر، وختامه النصر الاقتصادي، هو الانتصار أولاً على بعض النفوس الفاسدة التي تشكّل “منظومة الفساد” المرئي وغير المرئي، وهذا الانتصار هو من النوع السهل الممتنع في آنٍ معاً.

هنا يفرض السؤال هيبته وسطوته: كيف لنا أن نحقّق ذلك..؟

برأينا أن الوصول إلى هذا الهدف الكبير بمفاعيله وآثاره الإيجابية الهائلة على كل أركان الدولة والمجتمع، يبدأ من تحقيق الانسجام التام والتناغم الشفاف والصريح الذي لا يقبل الشك ولا يقبل أيضاً القسمة على اثنين، ما بين القانون والقضاء، أي أن نعزّز دور ومسؤولية وقوة كل منهما في الآخر.

في هذا السياق، يؤكد القانونيون أن أحد أخطر أوجه الفساد (وهو الاعتداء على المال العام) يتولاه قانونان رئيسيان هما: قانون نظام العقود للجهات العامة رقم ٥١، وقانون العقوبات الاقتصادية رقم 3 لعام 2013، وهما تشريعان حديثان نسبياً، أي يفترض أنهما تلافيا الثغرات والعيوب الموجودة في سابقيهما، الأمر الذي يجب أن يسهم في الحدّ من ظاهرة الفساد، لكن هذا لا يزال دون المراد، ما يعني بداهة أن هذين القانونين لم يحققا الغاية المرجوة منهما.

البحث – برأي الخبراء القانونين أنفسهم – عن أوجه القصور والخلل في تطبيق ومحتوى هذين القانونين وغيرهما وسبب إخفاقهما، أمر شائك في الواقع، لذلك يشدّدون على أن هذه المسألة يجب أن يبحث فيها ويتولاها مؤسسات كبرى في الدولة كمجلس الشعب ووزارة العدل ومجلس الدولة وهيئات الرقابة ونقابة المحامين.. وغيرها.

في هذا الصدد يشيرون إلى منظومة حقوقية موجودة لدى الدول المتطورة تشريعياً، ويقولون بحاجتنا إليها وهي منظومة “قياس أثر التشريع”، حيث تدرس هذه المنظومة مدى الحاجة إلى تشريع ما، وما هو محتواه المفترض، وأثره بعد التطبيق وأوجه القصور فيه؛ هذه المنظومة تقوم بها هيئة أو مؤسسة رسمية متخصّصة ترتبط على الأغلب بالمجلس التشريعي “مجلس الشعب”.

والسؤال الختام: ألم تفرض الضرورة الملحة نفسها، ويحين الوقت، لإيجاد منظومة فعّالة كهذه لدينا، يضاف إليها تسهيل إحداث مراكز بحث ودراسات تخصصية؟!  ما يساعد بشكل كبير في تطوير وحوكمة العملية التشريعية لدينا، يسأل أهل الخبرة والشفافية والنزاهة من القانونيين؟!.

Qassim1965@gmail.com