ثقافةصحيفة البعث

العين الثالثة للمشهد الثقافي والفني والإعلامي: لماذا نحن في خطر؟

حلب ـ غالية خوجة

هل تكفي كمية الأنشطة الفنية والموسيقية والتشكيلية والثقافية أم أن النوعية هي الأهم؟

بلا شك، أي قارئ، وأية قارئة، سيجيبان: النوعية هي الهدف المحوري الذي تتفرع عنه أهداف أخرى، مثل ما الغاية من الفعالية؟ من المستهدف منها؟ ما رسالتها؟ وكيف يعلن عنها؟ كيف يتم التنسيق لها؟ ما أثرها وديمومته واستمراريته؟ هل تطورنا نفسياً واجتماعياً وذهنياً وفكرياً وإبداعياً؟ ما الذي تضيفه؟ وما الذي تطرحه من الأسئلة؟ وهل جذبت الجمهور والحضور والمتلقين والمهتمين؟ وهل جعلتهم مشاركين فيها فيتوقعون ويبدعون ويتساءلون؟ وهل جذبت المزيد من المتابعين؟ وما دور الإعلام بين الفعاليات الثقافية والفنية؟

المشاهد ميدانياً للمشهد الثقافي والفني عموماً، وحلب خصوصاً، ستجذبه، بكل تأكيد، أكثر من هذه الأسئلة، والظواهر الناتجة عنها بإيجابياتها وسلبياتها، لاسيما وأننا في مرحلة حرجة من إعادة بناء الإنسان والمكان والزمان، ولأن “الثقافة هي الحاجة العلياـ القائد الخالد حافظ الأسد”، فلا بد من بنيان ثقافي إنساني وحضاري يشرق بثقة مستقبلية وتجذيرية مبصرة وعارفة بأن المصلحة الثقافية والفنية هي مصلحة عامة وطنية بامتياز، ولا مكان فيها لذرة من خردل من المصالح الخاصة، فهي تنبذ عاجلاً أو آجلاً ما يقوم على المديح والذم والمثل القائل: “جحا وأهل بيته عرس”!

ورغم اختلاف وجهات النظر حول الموضوعية إلاّ أن الإبداع بيّن، والتنفيع بيّن، والشللية بيّنة، والكمية على حساب النوعية بيّنة، وبكل تأكيد، “الشمس لا تُحجب بغربال” إلاّ لمن يعاني من الحماقة، والحماقة أعيت من يداويها، أبعدنا الله وإياكم عنها آمين.

ومن أجل الوصول إلى التطور والتطوير المستدام، استناداً إلى الماضي العريق، وانطلاقاً من الآن، وصولاً إلى القادم من الأزمان، فلا بد من إعادة صياغة ما يقدم من فعاليات ثقافية وفنية، وإعادة كيفية التنسيق بين الجهات المعنية، وإعادة كيفية الإيصال والتوصيل الجماهيري والشعبي والطلابي والإعلاني والإعلامي، منذ التساؤلات: ماذا نقدم؟ لماذا نقدم؟ لمن نقدم؟ وكيف نقدم؟ عبوراً بالتساؤلات: كيف ننسق ما نقدم؟ وكيف نعلن عن ما نقدم لنصل إلى أكبر شرائح المجتمع؟ وكيف نتواصل؟ وكيف نستمع لمختلف الآراء في ما نقدم؟ وكيف نتعلم أن هناك إيجابيات وسلبيات في ما نقدم؟ وما دور الإعلام الذي نريده لفعالياتنا: التطبيل والتزمير؟ أم القدح والذمّ؟ أم الموضوعية البنّاءة على اختلافها وقسوتها ومرونتها؟

ولا بد ألاّ يكون ساكت عن الحق لأن “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، فلا أحد منا يقبل أن يكون شيطاناً أخرس بالتأكيد، لذلك، نتساءل معكم عن الجوهري من الحركة الثقافية الفاعلة، لا الحركة الثقافية المنفعلة، بمكروريتها، وكيفية ترسيخ المفيد والصافي والنافع منها في الذائقة العامة؟.

باختصار، نحتاج إلى مشهد ثقافي يحتفي بمتابعيه، ويجذب متابعين جدداً من كافة الأعمار والأعمال والفئات لاسيما الجيل الشاب والنساء والفتيات والفتيان والأطفال والعائلات، ونحتاج لآذان صاغية تناقش وتحاور ما يقدّم من فعاليات، لأن الأماكن الثقافية لا تريد أن تحتفي بمسرح بلا مسرح، ومسرحية بلا مسرحية مثلاً، أو بمسرح بلا جمهور وحضور ومتلقين! أو بقصيدة بلا شعر، أو بقصة دون فنيات، أو بلوحة بلا إبداع، أو بموسيقا دون سلّم موسيقي، لأن الله علّمنا أنه في كتابه الحكيم يوجد “ناسخ” و”منسوخ”.   وكذلك، لا نريد لأمسية أدبية شعرية، سردية، فكرية، نقدية، أن تحدث فقط، لأنها يجب أن تحدث! وتكون رقماً في برنامج أنشطة كمية لا نوعية! ولا نريد لمعرض فني تشكيلي أن يكون زيادة عدد في الفعاليات دون جمهور ومشاهدين وذواقة وعشاق وأدباء ونقاد ومقتنين.

الأماكن الثقافية والفنية ليست صفحة الكترونية افتراضية فقط، نعرض على حائطها مساهماتنا دون الالتفاتة إلى نتائج ما نقدمه، ولماذا؟ وكيف؟ وما آثاره النفسية والاجتماعية والعقلية والبنائية؟ والدليل، أن ما يقدم لا يجذب حتى الفئة القريبة جداً مما يقدم، فلا أدباء، ولا ممثلون، ولا نقاد، ولا مثقفون، ولا فنانون تشكيليون ومسرحيون وموسيقيون، ولا مهتمون، إلاّ ثلة، إذن، أين الخلل؟ ولا بد من اعتراضية: لا نريد التعليق على مشجب “كورونا” لأن الازدحام حاضر في الأماكن، ولا على مشجب الحرب وظروفها المختلفة لأن المواطن العربي السوري أثبت أنه أكبر من أية حرب.

أعتقد جازمة، أن هناك أسباباً متشابكة، ومتشاكلة، صريحة وإشارية، هي سواء في أغلب الفعاليات، والحضور، والظروف العامة والخاصة، ولكنها قابلة للتفكيك والتقويض وإعادة الصياغة والإحياء والتداول والتحاور والنقاش والأداء والإجراءات لكي لا نغلق على أنفسنا في مربع من الكلمات: “ليس بالإمكان أفضل مما كان”.

من الممكن إنشاء وسائل تواصل عامة، إعلانية، وتشاركية، بسيطة، فمن الممكن أن توضع شاشات عرض في شوارع المدينة ـ حلب، والأماكن العامة، والساحات العامة، ليتابع الناس أخبار الثقافة والفنون المتنوعة، بدءاً من برامجها وليس انتهاء ببثّ مباشر لهذه الفعاليات الأدبية، الفنية، الثقافية، على شاشات الشوارع، وعلى شاشات الشبكة العنكبوتية، ومنها توظيف الوسائل التكنولوجية المعاصرة، والبث المباشر للفعاليات على اليوتيوب والفايسبوك وتويتر وغيرها من الوسائط، إضافة إلى إنشاء رابط الكتروني للمشاهدة والمتابعة والمداخلات لمن يشاء، مثلاً من خلال منصة “زوم”، ليتمّ التفاعل والتشارك بشكل أكثر فاعلية، إلاّ أنّ أياً من هذه الاحتمالات والتوقعات لم يحدث، وأتركها اقتراحات لعروض قادمة في حلب وغيرها، لتتحول العروض، أية عروض، إلى تظاهرة ثقافية شعبية جماهيرية شاملة سواء كانت مسرحية أو سينمائية أو موسيقية أو محاضرات وندوات وأمسيات أو معارض كتب وتشكيل وسواها من الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية والتراثية. ولا أظن يقيناً، أن دور الإعلام مختصر في التغطيات على نقل الفعاليات، لأن هذا ما تستطيع القيام به طفلة صغيرة لديها جهاز نقال مثل الهاتف أو الجهاز اللوحي، مثلاً! ولا بد للإعلام أن يكون مثقفاً ناقداً مترائياً لمّاحاً شفافاً لا قاسياً ولا مرناً، وأن يضيء الأبعاد الأخرى للفعاليات كما لو أنها نصوص قابلة لقراءات متعددة، متنوعة، ومختلفة، لها ما لها، وعليها ما عليها.

ولا ننسى أن البعض لا يعرف قيمة الكيفية الدبلوماسية الثقافية والفنية والإعلامية، فلا يمكن أن تتخيل كيف يطرد الإعلام من خلال ممثّلي وسائله في بعض الأحيان من قبل بعض ممّثلي القائمين على بعض الفعاليات! وهذا معيب وغير مدني وحضاري، خصوصاً، إذا تبع التلاسن “التدفيش” ثم العراك بالأيدي! وهذا عائد لعدم التنسيق بين البعض والفعاليات وعدم اعتماد مكتب إعلامي لبعض الفعاليات للتواصل والتنسيق والتعاون بشكل أفضل وأجمل وأمثل.

باختزال: الإعلام هو العين الثالثة للفعاليات، وبوصلتها المضيئة، الجاذبة للقائمين على الفعاليات، والمشاركين فيها، والمتلقين لها، لكي تكتمل المعادلة بين الرسالة والمرسِل والمرسَل إليه. والابتعاد عن الفعاليات مؤشر خطير إذا لم نتساءل عن مسبباته التي قد يكون أحدها الحضور والجمهور والمتلقين الذين تعاني غالبيتهم من خط بياني ثقافي منخفض، ومنها الظروف الضاغطة التي تجعل البعض يفضل الحضور للتسلية والفكاهة للترويح عن نفسه قليلاً، ومنها انتشار الفعاليات الكمية السطحية على حساب الفعاليات الجادة الجوهرية، مما يجعل المشهد الثقافي والفني مصاباً بالانحسار لدرجة التلاشي على ما تبديه القرائن.

وأختم: “قول الحق لم يترك لي صديقاً إلاّ الحق”، وأضيف “وكفى بالحق أجمل صديق”.