التنجيم.. رؤى مزيفة تحاكي واقع الناس وظروفهم وعلماء الفلك يكذبون توقعات الأبراج!
تنتظر ليلة رأس السنة بفارغ الصبر لتستمع لما يقولوه المنجمون للعام القادم، لتربط مصيرها بما يخرج من أفواهم، “رنيم” كغيرها من الذين يحبون قراءة الطالع ومتابعة الأبراج، كما تحب أن تعلم تفاصيل يومها: “يومياً بسمع برجي قبل ما أطلع ع الدوام لشوف شو مخبالي اليوم، وبصدق كتير لي عم ينحكى”، الأبراج والنجوم وقراءة الكف والفنجان، جميعها قد تكون بدعاً ظهرت لسبب ما، لكن كيف ينظر العلم لقارئي الطالع؟ وماهي حقيقة الأبراج؟.
تسليم مفرط
كان القدماء يستدلون بالنجوم لمعرفة الاتجاهات والتواريخ، لكنها لم تُستخدم يوماً لربط شعاعها وطاقتها بمصير الناس ونفوسهم، ورغم تقدّم العلم والثورة التكنولوجية الهائلة، مازال الكثير من الناس ينساقون وراء المنجم ويصدّقون أقاويله، ونرى البعض مستعدين للدفاع عنهم وكأن ما يقال كلام مثبت، مع العلم أن رؤى المستقبل كانت مرتبطة فقط بالأنبياء ومايصلهم من وحي.
التقينا “لمة صبايا” يتحدثن بشغف عن أبراجهن وماتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن الأبراج الأكثر حظاً ووفرة في المال في عام الـ2021 وكيف أن هناك ارتباطاً يلوح في الأفق لبعض الأبراج فكنّ أكثر سعادة. وعند السؤال عن مدى تصديق هذه الأقاويل، كان الإجماع على أن التنجيم من وجهة نظرهن علم قائم بذاته يستند للكواكب والنجوم وأغلب التوقعات قد حصلت معهن!، لندرك أن التطور والعلوم كلها لا يمكن أن تقف عند شريحة آمنت مسبقاً بأن حركة النجوم في الفلك لها تأثيرها الكهرومغناطيسي على البشر، ومن يعتقد أن النساء أكثر تأثراً بالأبراج يكون مخطئاً، فالرجال ليسوا أقل تعلقاً بها، فهم وحسب أحاديث البعض ممن جالسناهم يحبون متابعة الأبراج وخاصة مع نهاية كل عام، ليعلموا إلى أين ستؤول الأحوال والوضع المعيشي، وهل هناك تحسّن في الرواتب أو الحالة الاقتصادية وحتى السياسية، علماً أن من تحدثوا إلينا هم شريحة متنوعة، ما بين جامعيين ومثقفين وربات منازل، ما يدلّ على أن تأثير المنجمين وقارئي الطالع كبير وواسع على الناس وحتى على المراهقين ممن يستمعون للإذاعات والأغاني التي ترتبط بالبرج ونوع الحجر الذي يحب واللون وغيرها من الشعوذات!.
رأي العلم
سواء أكان الاهتمام بقراءة الطالع نوعاً من أنواع الترفيه والتفاؤل أم حقيقة يرغبها البعض، يبقى للعلم رأيه الذي يختلف عن كل ما يجمع عليه المختلفون.
الدكتور محمد العصيري رئيس الجمعية الفلكية السورية ونائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، أوضح أن البابليين وقبل 4000 سنة وضعوا خارطة للسماء جسدوها بأشكال وكائنات كانوا يتعايشون معها، حيث لم يكن لديهم كانون الثاني وشباط وغيرها من الأشهر، وكانت السماء دليلهم على التواريخ والفصول، من هنا جاء التنجيم وتقسيم السماء لـ12 قطاعاً، يقول الدكتور العصيري: للأسف اكتشف العلماء بعد هذا الزمن أن هناك حركة ترنحية للأرض، وهناك 13 برجاً على خلفيتها تتحرك الشمس، وبالتالي هذا الاكتشاف نقض موضوع التنجيم تماماً، إضافة إلى أن مدة الأبراج تتراوح ما بين 8 إلى 48 يوماً وليست كما يقول المنجمون 30 يوماً، فأقصر برج هو العقرب 8 أيام والأطوال هو العذراء 48 يوماً، وبالتالي تقسيم المنجمين خاطئ، لكن للأسف الشديد البشر بالفطرة مجبولون على حب الغيب ومعرفة المستقبل، وهذا ماساهم في انتشار رقعة التنجيم في بلداننا بشكل كبير. ويرى العصيري أن سبب إيمان البلدان العربية بالتبصير هو ضعف العلم والإمكانات العلمية، وقلّة دعم العلم من وجهة نظره ساهمت في انتشار علوم زائفة غير علمية كما يُقال عن علم التنجيم، إضافة إلى ظروف الحرب والحالة العامة التي لعبت دوراً كبيراً في انتشار التبصير والتنجيم، فالجميع يرغب بمعرفة متى ستنتهي الأزمة ومتى ستتوفر أسباب الحياة البسيطة، كل هذا دفع الناس للجوء إلى أمور غيبية هرباً من الواقع السيئ. ويضيف العصيري: الناس بشكل عام تخاف من المستقبل مايجعل البعض يتعلقون بكشفه، كالغريق الذي يتعلّق بقشة والمنجم يشكل “قشة” لأنه يتحدث بأمور فلسفية وتريح المستمع، والطريقة الإحصائية والإعلامية تجعل الناس أكثر تصديقاً للمنجم.
علم مزيف
وبرأي رئيس جمعية الفلك فإن الانسياق وراء المنجمين لايختلف ما بين مثقف وشخص عادي، رغم معرفة المثقف أن التنجيم لا يعتمد على أي أسس علمية أو فلكية، بل يستند إلى علوم زائفة، وهي علمياً مرفوضة بشكل كامل إلا أنه يتابعها، فالتنجيم من وجهة نظره نوع من أنواع الشعوذة، وهنا ينبع دور المجتمع من خلال التربية والتعليم وتوعية الجيل الناشئ بأهمية البيئة وعلم الفضاء والفلك، ومحاربة التبصير وقراءة الكف والفنجان وغيرها من الأمور غير التجريبية، والتمييز مابين العالم والمنجم وبين علم الفلك كعلم يدرس حركة النجوم والكون والسدم والمجرات ومابين التنجيم الذي يقوم فقط على تأثير النجوم على الإنسان الذي لم يثبت مطلقاً.
وينفي العصيري وجود أي جرم يؤثر على الأرض باستثناء الشمس والقمر، أما عن انتظار الناس لظهور المنجمين فهو من وجهة نظر الدكتور العصيري يندرج تحت الحاجة للتفاؤل والأمل وخاصة في ظل هذه الظروف، والفطرة لدى الإنسان تدفعه للإيمان بها فينتظر المنجمين وماذا يقولون، متمنياً في هذا السياق تحكيم العقل ومراجعة كلام المنجم خلال السنوات الماضية، ليكتشف الناس -عند المراجعة- أن ماحصل من توقعات هو فقط 10%، حدثت بمحض المصادفة وكثرة الاحتمالات، مشيراً إلى أن القنوات التلفزيونية تسلّط الضوء على ماحصل وتخفي كل مالم يحدث من تنجيمات فاشلة وتغضّ الطرف عنها. وفيما يتعلّق بالتوقعات السياسية بيّن العصيري أنها تعتمد على تحليل وقراءة الأحداث ورؤية للمستقبل ترتبط بالمنجم نفسه، وتكون موجّهة بحسب رغبة ومبتغى القناة التلفزيونية المستضيفة، لأنها هي من تصنع المنجم وليس العكس، إضافة إلى أن كل مايقوله في هذا المجال عبارة عن أمور مسيّسة ورسائل يتناقلها بعض السياسيين عبرهم.
ما بين الفلك والتنجيم
ورغم وجود قانون يحاسب من يتعامل بالتبصير والتنجيم وقراءة الطالع، سواء بالكف أو الفنجان، لأنها تندرج تحت بند السحر والشعوذة، إلاّ أن القانون مجمّد ولا يعمل به، هذا ما أكد عليه الدكتور العصيري، مبيناً أن الدستور السوري يعاقب أيضاً الوسيلة الإعلامية التي تأتي بالمنجم لكن القانون لا يعمل به.
وينهي العصيري حديثه بالدعوة للتمييز ما بين الفلك والتنجيم، ويقول: المنجم ليس عالم فلك بل إعلامي ودارس ومحلّل لحالة واقع اجتماعي، وقوانين نيوتن وأنشتاين وماكسويل تثبت أن لا تأثير للأبراج على الإنسان وإضاءتها بعيدة جداً، كذلك حال التأثير الثقالي والكهرطيسي، فنحن نرى ماضي النجوم ولا نرى حاضرها، وما نراه من ماضٍ لايؤثر حتماً في الحاضر والمستقبل.
نجوى عيدة