“الفوضى والبؤس”.. وجريمة “المنية”
أحمد حسن
تفصح الجريمة التي ارتُكبت ضد لاجئين سوريين عزّل في مخيم في منطقة المنية اللبنانية عن أمور كثيرة وقضايا لم تعد خافية على أحد، فالجريمة التي قيل إنها حدثت إثر إشكال فردي، تتجاوز في دلالاتها البعيدة وصف “ليلة رعب” أخرى عاشها السوريون القاطنون في المخيم المنكوب لتكون بمثابة “العراء الأخير” –كما وصفها كاتب عربي- لمنظومة سياسية إقليمية ودولية اعتبرت –واستخدمت- اللاجئين وقضيتهم منذ اللحظة الأولى سيف ابتزاز سياسي ومالي وإنساني في حربهم المستمرة ضد الدولة السورية.
والحال فإن مجموعة “المسلحين” التي أحاطت بالمخيم في المنية لتحرقه بسكانه العزل كانت تقول الكثير، خاصة وأنها ليست الجريمة الأولى التي ترتكب ضد اللاجئين في لبنان بل هي مجرد حلقة جديدة في سلسلة جرائم متنقلة كان آخرها ما حدث في بلدة “بشري” أواخر تشرين الماضي، وتتشابه مع سابقاتها أنها ارتُكبت في سياق من التحريض السياسي الفاجر الذي دأب بعض ساسة لبنان عليه من خلال بثهم الدائم لأجواء الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين عبر تصويرهم كمسؤولين مباشرين عن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي أوصلوا إليها لبنان نتيجة فسادهم وسرقاتهم ونهبهم المستمر للمال العام منذ سنين طوال، وحين شعروا بحصار الأصابع المحقّة التي تشير إليهم بالمسؤولية وجد هؤلاء الساسة في اللاجئين شماعة مناسبة لرمي جرائمهم في الداخل عليها بعد أن فشل، أو كاد، استخدامهم لهم في سياق الحرب ضد سورية.
ويمكن لأي كان مراجعة أسماء ساسة التحريض ليجد أنهم ذاتهم من وظّفوا قضية اللاجئين في سياق حربهم، وحقدهم، على دمشق، حين شجعوا بداية على اللجوء دون داع حقيقي، كما فعل نظرائهم في تركيا وفي دول عربية أخرى سعياً خلف استفادة مالية وسياسية من وراء ذلك، وخضوعاً أعمى لأوامر المشغل الأمريكي في هذا المجال.
هنا تحديداً يبرز الطابع الأوسع لجريمة “المنية”، فما حصل هناك يتجاوز في جوهره لبنان بحد ذاته ليعيد فتح أسئلة عدة حول النتائج الكارثية لاستغلال هذا الملفّ الوطني والإنساني الخطير وجرائم المتاجرين بها من دول وأفراد وقوى سياسية معروفة الاسم والهوية تقف الإدارة الأمريكية على رأسهم عبر التحريض الفاجر والمستمر على المنع الكامل لعودة اللاجئين وإجبار دول العالم المستضيفة على ذلك، وكان المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية قد تبجح علناً بجهوده، وإدارته، في عرقلة العودة وإفشال مؤتمر اللاجئين الذي استضافته دمشق مؤخراً، بهدف استخدامهم سياسياً في المرحلة القادمة لأهداف معروفة ومفضوحة للجميع.
“زعيم” حرب معروف أبدى انزعاجه من بيان الخارجية السورية الداعي لتحقيق منصف ومحاسبة المجرمين في هذه القضية. بات تومي، وهو سيناتور جمهوري بارز، وصف تركة “ترامب” بالفوضى والبؤس. ما يقوله “الزعيم”، ضمناً، لن نحاسب المجرمين ولن نسمح بعودة اللاجئين قبل تحقيق المطلوب منهم سياسياً. حديث “السيناتور” يتناول ما يحصل في الداخل الأمريكي، لكن العالم كله تأثر، ولا زال، بتركة ترامب. جريمة المنية، بالمحصلة النهائية، أحد مظاهر، وتطبيقات، هذه “التركة” وهذا “الانزعاج”، وبوجود أمثال هؤلاء الساسة، وتوجهاتهم المعروفة، من يضمن أن تكون الجريمة الأخيرة، أخيرة فعلاً؟!.