بريطانيا والاتحاد الأوروبي يطويان نهائياً صفحة بريكسيت
عشية خروج بريطانيا من السوق الأوروبية الموحدة، وقع قادة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الأربعاء الاتفاق المبرم مع لندن لمرحلة ما بعد بريكست. وقد وصفه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأنه “ممتاز”، مؤكدا أن بلاده ستكون “أفضل صديق وحليف” للاتحاد.
ومساء الأربعاء صوت النواب البريطانيون على الاتفاق التجاري الذي سيحكم العلاقات بين لندن والاتحاد الأوروبي اثر خروج المملكة المتحدة منه نهائيا كما وقّعه جونسون بالأحرف الأولى.
وخلال توقيعه “اتفاق التجارة والتعاون” الواقع في 1246 صفحة في مقر رئاسة الحكومة البريطانية، قال جونسون إن الاتفاق يشكّل بداية “علاقة رائعة” بين ضفتي القناة (بحر المانش)، واصفا إياه بأنه “ممتاز لهذه البلاد وأيضا لأصدقائنا وشركائنا”.
وصادق مجلس العموم البريطاني على الاتفاق بغالبية ساحقة وقد نال النص تأييد 521 عضوا فيما عارضه 73، فيما أحيل النص على مجلس اللوردات لإقراره سريعا الأربعاء.
وكانت قد أقيمت مراسم مقتضبة في بروكسل، وقعت خلالها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الاتفاق الذي سيدخل حيز التنفيذ الخميس عند الساعة 23:00 بتوقيت غرينيتش.
وكتبت فون دير لايين في تغريدة “كان الطريق طويلا وحان الوقت الآن لترك بريسكت وراءنا. مستقبلنا يبنى في أوروبا”. ورحب ميشال بـ”اتفاق عادل ومتوازن”، مشيدا بـ”الوحدة غير المسبوقة” التي أبدتها الدول الأعضاء في المفاوضات.
وقال جونسون أمام مجلس العموم قبيل المصادقة على الاتفاق، إن بريطانيا ستصبح “جارة ودية وأفضل صديق وحليف يمكن للاتحاد الأوروبي الحصول عليه وسنعمل يدا بيد عندما تكون قيمنا ومصالحنا على تناغم مع احترام رغبة الشعب البريطاني السيد بالعيش في ظل قوانينه الخاصة”.
وبعد موافقة دول الاتحاد السبع والعشرين في مطلع الأسبوع، يسمح إقرار النواب البريطانيين للاتفاق للطرفين بالمصادقة عليه في اللحظة الأخيرة مساء الخميس عند الساعة 23:00 في لندن بتوقيت غرينتش (منتصف الليل في بروكسل).
وبعد 47 عاما من تكامل أوروبي وأربع سنوات من التجاذبات اثر الاستفتاء حول بريكست، ستتوقف بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوروبي رسميا في 31 كانون الثاني عن تطبيق القواعد الأوروبية.
وستخرج من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي وبرنامج “إيراسموس” للتبادل على صعيد الدراسة الجامعية.
وكان جونسون قال في بيان إن مشروع القانون المعروض على النواب “يظهر أن المملكة المتحدة يمكن أن تكون أوروبية وتتمتع بالسيادة” في آن واحد.
وأضاف “سنفتح فصلا جديدا في حياة أمتنا وسنبرم اتفاقات تجارية مع أطراف مختلفة في العالم وسنؤكد أن المملكة المتحدة هي قوة تعمل للخير العام ومنفتحة على الخارج وليبرالية”.
وكان زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر قد دعا نوابه إلى إقرار الاتفاق رغم رفض جزء من حزب العمال له خوفا من تبعاته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي معسكر المحافظين، أيد نواب “يوربيين ريسرتش غروب” الأكثر تأييدا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الاتفاق معتبرين أنه “يحفظ السيادة البريطانية”.
ويعارض الاتفاق الحزب الوحدوي الديمقراطي الإيرلندي الشمالي المؤيد لبريكست، لكنه يرفض الإجراءات الجمركية بين محافظة إيرلندا الشمالية البريطانية وبقية أرجاء المملكة المتحدة، فضلا عن الحزب الليبرالي الديمقراطي المؤيد للوحدة الأوروبية والحزب القومي الاسكتلندي المؤيد للاستقلال.
وعلى الصعيد الأوروبي، أعطت دول الاتحاد الضوء الأخضر لتطبيق مؤقت للاتفاق بانتظار أن يوافق عليه النواب الأوروبيون في الربع الأول من العام 2021.
وبعد خروجها من الاتحاد الأوربي في 31 كانون الثاني الماضي، باشرت بريطانيا مرحلة انتقالية استمرت خلالها في تطبيق القواعد الأوروبية. واعتبارا من مساء الخميس ستكون بحل من كل هذه القواعد.
وبتوصلهما إلى اتفاق للتبادل الحر، تجنبت بروكسل ولندن تبعات صدمة كانت لتسجل لو لم يحصل ذلك مع اعتماد حواجز تجارية كانت لتكلف الطرفين ثمنا باهظا على صعيد الاقتصاد المتضرر أساسا جراء جائحة كوفيد-19.
فبوريس جونسون بغنى عن أزمة جديدة إذ باتت المستشفيات البريطانية شبه عاجزة عن استيعاب المزيد من المرضى، فيما الإصابات تتسارع رغم الحجر المفروض على جزء كبير من السكان منذ اكتشاف سلاسة جديدة من الفيروس تنتشر عدواها بسرعة أكبر.
ومع هذا الاتفاق المبرم بعد مفاوضات شرسة استمرت لأشهر، سيوفر الاتحاد الأوروبي لبريطانيا إمكانية الوصول إلى سوقه التي تضم 450 مليون مستهلك من دون رسوم جمركية أو نظام حصص، لكنه يحتفظ بحق فرض عقوبات وإجراءات تعويض في حال عدم احترام القواعد على صعيد مساعدات الدولة والبيئة وحق العمل والضرائب لتجنب أي إغراق للسوق.
إلا أن نهاية المرحلة الانتقالية تحمل تغييرا رئيسيا إذ أن عمليات التدقيق الجمركي عند الحدود ستلقي بثقلها على المبادلات فيما ستتوقف حرية التنقل للبريطانيين ومواطني الاتحاد الأوروبي بين أراضي الطرفين.
وتشهد وحدة المملكة المتحدة تصدعا أيضا، ففي اسكتلندا التي صوتت بنسبة 62 بالمئة ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، تظهر نتائج استطلاعات الرأي أن غالبية السكان باتت تؤيد الاستقلال الذي رفض في العام 2015 في استفتاء أول.