ذنبك أنك أكثر من أنت
أنت قليلٌ، وهذا ليس ذنبك وحدك، إنّما سُحبت إلى ما تريد الحصول عليه، ولو بالتخفيف منك، لقد أطفأتك الأشياء التي أضاءت بزيف في عينك، وهزمتك الطريقة التّي أردت بها الفوز أمام العالم، فعاد ليأخذ منك هذا العالم كلّ شيء، بعد أن كان قد التفت إلى طريقه، عاد بوجه مختلف، عيون تتلوى كفتاة يؤلمها شيء مجهول، يتجوّل مثل قنفذ على خصرها وذقن ترتعد كأصابع نسيت قفازها وخرجت للتزلج وشفتين تعضان بعضهما حسرة.
عاد الآن ليقف إلى جوارك عن طريق التعاطف هكذا بكل بساطة، إنّه يريدك بلا حيلة مثل غصن جرفته السيول إلى نهاية غير محتملة، أنت رائعٌ بلا شيء، وجيد بلا كلمات، ومتوقع مثل جسر صالح في أي مدينة، العالم الذّي يحزنه بقاؤك بلا بيت أو عشاء أو مدرسة أو حبيب أو بلاد يريد منك الآن أن تظهر له لحاقك به عبر الحاجة، أن تظهر له كم أنّك قليلٌ وبلا أحلام تنام بعيون مفقوءة وتصحو مثل الذّي استعار معطفاً ليقطع الشارع في شتاء مستمر إلى ما بعد الشارع الذّي قطعه، لقد عاد ليأخذ منك هذه المرّة ما تبقّى منك، عاد ليعبئك به، حيث يضع لك الجدار ويفتح النافذة على الشارع الذي يريد، عاد ليقرر كم هو علو سقفك وطول رقبتك ورقم قدمك وحجم خطوتك، علاقة تشعر أمامها بتقديم المزيد من الركض خلف أطراف الظلال ومساحات محجوزة مسبقاً، إنّك طرف مستنزف، حبّك قليل دائماً حتّى لو قدّمت العالم، قليل يحتاج منك أن تأتي مبكراً لموعد، أن تغيّر لأجله طريقة كلامك وطريقة مشيتك وطريقة جلوسك، أن تقرأ آلاف الكتب وأن تحمل جبالاً من السيئين على كتف تفهمّك أن تتحول إلى آلة حصاد في حقلك، وطنيتك قليلة تحتاج منك أن تخضع أكثر، أن تبرر أكثر، أن تعود إلى البيت على الساعة المحددة للحجر، وأن تقول نعم لتعويم العملة وعودة الأوغاد واستفادة منظرّي الحرية من عودتهم عن شعاراتهم دون لوم.
في علاقات مثل هذه أنت لست طرفاً فيها كما تعتقد، إنّك تحولت فجأة إلى ذخيرة مضافة لذلك الذّي يحتاج المزيد منك ليسدد، تحولت إلى مزيده دون أن تفكّر في الذّي سيحدث بعد أن تضطر هذه العلاقة المشبوهة للاستغناء عنك!! أن تكتشف أنك لست مهماً كما كنت تعتقد، وأنّ الناس عند هؤلاء مثل أي شيء يمتلكونه يمكن أن تستبدل لأنها استهلكت، وأخرى لأنهم غيروا حبهم لها.. من هنا قررت أن تكون قليلاً ومطالباً برمي نفسك من أعلى الجسور لو استدعى الأمر، فقط لإثبات أنك كما يُنتظر منك لا كما تريد، أنك هو أكثر من أنتَ.
لينا أحمد نبيعة