سلبية تربوية!
ليس من منظور (الحسد)، بل من باب الإيمان بقدسيّة الدور وسمو المهنة التي ترقى إلى مراتب (الرسل) صنّاع الإنسان وبناء المجتمعات، نعيد طرح قضية الدروس الخصوصية التي أصبحت، رغم كلّ محاولات ردعها وكبح فوضى أسعارها، أكثر حضوراً وانتشاراً في المجتمع الذي يعيش حالة من الانفصام، فهو يرفضها بقوة وفي الوقت نفسه يدعمها ويؤسّس لخصخصة تعليمية قادمة لا محالة، نتيجة لمعادلة تفاضلية تنتصر للتعليم الخاص بكل أشكاله على التعليم العام المنهك والمتباطئ وغير المجدي، كما يعتقد البعض، حيث يلهثُ الجميع نحو الدروس الخصوصيّة والمدارس والمعاهد الخاصة لتحقيق الحلم في التحصيل الدراسي والتفوق!.
ولا شك أن الكثير من الأساتذة لا يجدون الآن في فترة الذروة الامتحانية الوقت الكافي للراحة في موسم الأرباح الدراسية، حيث يخرجون مع العصافير منذ ساعات الصباح الأولى في رحلة البحث عن الرزق، ليعودوا في ساعات متأخرة وجيوبهم منتفخة بحصاد وفير بعد أن اتفقوا على رفع سعر الدرس ليتخطّى حدود 7000 ل. س للساعة الواحدة، وذلك تماشياً مع موجة الغلاء التي تجتاح حياة الناس دون رقيب أو حسيب!.
ونحنُ هنا لا نحاول الإساءة لأحد أو تشويه صورة المعلّم، بل نعمل لإيقاظ الضمير وتذكير البعض بقداسة ونبل الرسالة التعليمية، وعدم الانجرار وراء النفع المادي فقط والتخلي عن الجانب الإنساني والتربوي والتعليمي البعيد عن مفاهيم الاستغلال والابتزاز، واصطياد جيوب الأهل والاستثمار في أحلامهم بطريقة لا تليق بمكانة المعلمين كبُناة للأجيال، مع التأكيد على حقهم في تحسين مستواهم المعيشي وتأمين مصادر الرزق المختلفة.
وطبعاً السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لو التزم هؤلاء بدورهم وقاموا بمهمتهم على أكمل وجه خلال العام الدراسي، هل كانت هناك حاجة للدروس الخصوصية لجميع الطلاب دون استثناء؟ والغريب حالة الإجماع على امتهان التدريس التجاري والتسابق في بورصة الأسعار التي ترجح كفة تحييد المفاهيم والقيم أمام الانغماس التام في لعبة البيع والشراء في سوق التعليم الربحي الذي استحوذ على مرحلة التعليم الأساسي وخاصة المرحلة الأولى، حيث نرى أن الكثير من العائلات بدأت بتسليم أطفالها للمدرّسين الخصوصيين دون الانتباه إلى الأذى الذي يمكن أن يصيب العلاقة مابين الطالب والمدرسة، بعد أن ينحصر اهتمامه بما يتلقاه من مدرّسه الخصوصي فقط، وهذا ما يدفعه إلى إهمال واجباته المدرسية وعدم التركيز في المدرسة، والاعتماد بشكل كليّ على حصصه التعليمية في المنزل.
وبصراحة، القضية أكبر من مجرد تغيير في المناهج وفي النهج التربوي والتحوّل نحو التعليم الخاص، لتأخذ منحى الانحطاط الفكري والانشقاق عن منظومة القيم والأخلاقيات التربوية والتعليمية، والانخراط في مشروع تدمير الرسالة والإتجار بمهنة مقدّسة كرّمت بمهمة (اقرأ) وبناء الأجيال التي يُنظر إلى مستقبلها اليوم من ثقوب العمل التجاري، وهذا مايضاعف من مهام وزارة التربية ويزيد من أعبائها للعمل بشكل جادٍ وبخطوات جادة لتحسين مستوى الأداء التدريسي في المدارس العامة التي أصبحت تصدر الطلاب إلى ميدان التعليم الخاص بدلاً من التشدّق بالتصريحات المضلّلة التي تزيد من معاناة الواقع التربوي الذي تصفه الوزارة دائماً بالممتاز، وأن الأمور والقضايا التدريسية تسير على قدم وساق، بينما لو رفعنا الغطاء عن مئات المدارس لوجدنا تلك الحقيقة الناضحة بالكثير من السلبيات التي يتمّ تجميلها لغاية في نفس الــ … ؟
بشير فرزان