عودة “داعش” حاجة أمريكية ملحة
أحمد حسن
تظهر التطورات المتسارعة في البادية السورية أن القرار الأمريكي القاضي بتعليق مسار السياسة العاقلة لمصلحة سياسات النهب والاحتلال والبلطجة ما زال مستمراً، وكان آخر مظاهر هذا القرار ذلك التلازم الطردي الواضح بين التمدّد الأمريكي الاحتلالي عسكرياً باتجاه ريف دير الزور بحجة حماية حقول النفط المحتلة سابقاً!!، وبين عودة، وللدقة أكثر إعادة، “داعش” للحياة في المنطقة ذاتها تقريباً.
والحال فإن هذا التلازم أصبح فاضحاً للغاية ولم يعد يحتاج لتعداد الأدلة وتجميعها، وكما كان قادة “داعش” الذين خرجوا من سجون المحتّل الأمريكي في العراق وتحديداً سجن بوكا الشهير، هم من قدموا الذريعة المناسبة لاحتلال القوات الأمريكية تحت غطاء التحالف الدولي المزعوم شمال شرق سورية، فإن عودة التنظيم الإرهابي للحياة -وللمفارقة اللافتة أن بعض عناصره أخرجوا من سجن آخر تحت سيطرة ميليشيات متعاملة مع واشنطن في المنطقة- تبدو اليوم السبب الضروري واللازم لبقائها وتمددها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه العودة المفاجئة حصلت بعد عامين من الهزيمة الساحقة!! كما وصفتها واشنطن للتنظيم، وأن كافة عملياته بعد ذلك استهدفت القوات السورية وحلفائها فقط لا غير متجاهلة القوات التي يُفترض أنها من أنزلت بها الهزائم سابقاً على ما يقولون!!.
وكي لا نذهب بعيداً في تقديم الأدلة على قوة ومتانة هذه العلاقة بين الطرفين فيكفي أن نستشهد بشهادة شاهد من أهله كما يقال، فعلى الرغم من أن أوكار “داعش” المتبقية في المنطقة، بعد الهزيمة المزعومة، كانت معروفة جيداً للتحالف المزعوم، أيضاً، على الأقل منذ عام 2019، كما كشف المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، ومقره بريطانيا، أحد دول التحالف حين حدّد في تقرير علني تلك الأوكار في ثلاث مناطق في البادية السورية مشيراً إليها بالاسم، إلا أن “التحالف” لم يبادر خلال تلك الفترة كلها للقيام بما يفترض به باستثناء ضربات صوريّة متفرقة كلما احتاج إلى رافعة إعلامية ما لتبرير وجوده غير الشرعي في سورية.
لكن الوكر الأهم لـ “داعش”، والذي أغفله تقرير “تشاتام هاوس” لأسباب معروفة، هو قاعدة التنف عند مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، فتلك القاعدة التي أقامتها واشنطن في تلك المنطقة بهدف قطع الطريق البري الاجتماعي والاقتصادي والعسكري بين بغداد ودمشق وتالياً طهران، تحوّلت إلى مركز تموين لوجستي وطبي ونقطة انطلاق للمجاميع الإرهابية ضد القوات السورية وحلفائها، ليؤكد كل ذلك، ومرة جديدة، حقيقة التخادم المشترك بين الجانبين حيث يوفر الأمريكي للتنظيم الحماية وسبل الانتشار، وهو يوفّر لهم حجة البقاء والتمدد، تحقيقياً لأهداف سياسية لم تعد خافية على أحد بعد أن أعلنها كل من المبعوثين الأمريكيين السابق واللاحق إلى سورية، والأجدر أن يسميا بالمندوبين الساميين، والسامّين، بدلاً من ذلك.
إذاً، لا عودة أمريكية للسياسة العاقلة في المرحلة القريبة انتظاراً لحسم إدارة بايدن القادمة خياراتها وتوجهاتها اتجاه قضايا المنطقة بالمجمل لا المفرق، وهو حسم يجب أن نساهم في وجهته النهائية بالتأكيد العملي على أن كلفة بقاء الاحتلال أكثر بكثير من الفوائد التي ستعود عليه.