جفرا يونس نجومية الأداء لا الوفرة
هي من الجيل الجديد والبعيد في الذاكرة الدرامية المحلية في آن، فتلك الملامح الطفولية العذبة التي شاهدها الجمهور، في واحد من الأعمال الدرامية المحلية المهمّة مسلسل “الجمل” (أحمد حامد- خلدون المالح) والذي تصدّر الشاشة المحلية عام 1998، غابت لأكثر من عقد من الزمن لتعود بعدها -خلا عن مشاركة خاطفة في مسلسل عشتار عام 2004- ليشاهدها الجمهور المحلي والعربي بشكل واسع، وذلك من خلال الشخصية التي قدمتها عام 2016 في مسلسل “الندم” (حسن سامي اليوسف- الليث حجو)، الدور الذي كان النقطة الفارقة في مسيرة الفنانة الشابة، والتي استطاعت من خلاله أن تلفت الانتباه الجماهيري والمتخصّص (مخرجون- شركات إنتاج) بعد أن برعت في تقديم تلك الشخصية رغم حجم الدور الصغير نسبياً، لكن هذا لم يكن إلا تحدياً ضرورياً، سواء على مستوى الأداء أو على مستوى الظهور، تضيفه لنفسها، رغم أنها كانت قد شقّت طريقها الفني قبل ذلك بثلاث بسنوات من على خشبة المسرح، في العرض المسرحي “في بار بشارع الحمرا” (تأليف وإخراج الفنان كفاح الخوص)، وذلك بُعيد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2012، في مشروع تخرج أشرف عليه الفنان المسرحي غسان مسعود “عرش الدم”، ولتثبت هذه الممثلة الواعدة مرة أخرى مقولة: “الخطوات المتأنية أكثر ثباتاً ورسوخاً”، متجنّبة الظهور المجاني الاستعراضي، سواء على الوسائل الإعلامية أو في العديد من العروض التي رفضتها، بعد أن أدركت جيداً أن الجمهور ينتظر منها الكثير، لا من جهة الكمّ، بل من جهة النوع، وهذا ما كان من أمرها الذي حسمته فيما يخصّ هذا الشأن، وهنا لا بد من ذكر أنها قدمت دوراً بارعاً أيضاً في مسلسل “العرّاب” 2015، لتتولى بعدها الخطوات الثابتة والعملية لظهورها في الدراما التلفزيونية المحلية، محقّقة لنفسها مكانة مهمّة على الخريطة الفنية، وخلال زمن قياسي.
الملامح المفرطة في الطفولة، -وهذه أيضاً من التحديات الصعبة التي اشتغلت على تطويعها في الأداء- لم تجعلها تتأطر في أدوار متشابهة، بعد أن عرفت النجمة الشابة كيف تترك أثرها الخاص في كل شخصية قدمتها، فلم تُخضع موهبتها لسوق العرض والطلب، بل أدارت هذا الأمر الحسّاس بذكاء، فلا إفراط يغريها بالظهور، ولا غياب يجعلها تقطع حضورها المؤثر في وجدان الناس، بل هي شخصيات برعت في تقديمها، وفي أعمال لها ثقلها على الساحة الدرامية، كان أيضاً من أحد أبرز محطاتها مسلسل “شبابيك” (بشار عبّاس- سامر البرقاوي)، وحدث أن حققت حضوراً لافتاً رغم وجودها وسط كوكبة من النجوم السوريين، ومن مختلف الأجيال، وذلك في اللوحات التي كانت من بطولتها.
إننا إذن أمام فنانة أكاديمية شابة، اختبرت عوالم فن التمثيل في طفولتها، وكان قرارها أن تخوض به في المستقبل، ولكن بعد أن مرّنت أجنحتها على الطيران جيداً في هذا الفضاء المترامي، فكان لها ما أرادت وما اشتغلت بدأب على تحقيقه، وهي اليوم من الممثلات السوريات الشابات، اللواتي حقّقن نجومية حقيقية، لا عبر الظهور المتواصل في هذا العمل أو ذاك، بل بعد انتقائية مدروسة تُحسب لها في هذا المجال، جعلت من حضورها راسخاً ومطلوباً، وهي معادلة صعبة التحقيق في الوسط الفني عموماً، والذي صار يتطلّب كثرة الظهور في الدراما وفي الإعلام بمختلف وسائله، للبقاء على قيد الذاكرة.
تمّام علي بركات