ترميم الجامع الأموي بحلب .. مراحل متقدمة
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
لم يدخر الفريق الفني والتقني المشرف على مشروع إعادة ترميم وتأهيل الجامع الأموي الكبير بحلب أي جهد في الحفاظ على هوية الجامع الدينية والتاريخية والأثرية، فطوال الأعوام الثلاثة الماضية، وبالرغم من الصعوبات التي واجهت فريق العمل، كان الحرص واضحاً – من خلال الخطط والدراسات المعمارية والاستشارية – في البحث عن حلول جذرية للكثير من المشكلات الفنية المعقدة التي رافقت عملية الترميم بالاعتماد على السجلات والصور والمعلومات المسجلة والمحفوظة لدى المديريات المعنية، والتي وثقت مراحل بناء هذا الجامع وأعمال ترميمه سابقاً، ما أسهم في الحفاظ على الكثير من مكونات العمارة والحجارة، بالرغم من كل الخراب والدمار الذي تعرض له من قبل العصابات الإرهابية المسلحة التي دنست هذا الصرح الديني الكبير، وعبثت بمحتوياته وقامت بحرق أجزاء كبيرة من مساحاته.
وفيما تستمر الجهود المعمارية والفنية والاستشارية لترميم الجامع بإشراف المديرية العامة للآثار ووزارة الأوقاف، يوضح المهندس صخر علبي، مدير مشروع إعادة ترميم وتأهيل الجامع الأموي الكبير، أنه تم وضع الخطط والدراسات موضع التنفيذ، وإنجاز مراحل مهمة من العمل، وذلك بتقنية وجودة عالية وبخبرات وكفاءات وطنية، وما زال العمل مستمراً لاستكمال باقي مراحل العمل، خاصة ما يتعلق منها بإعادة بناء مئذنة الجامع للحفاظ على شكلها الأساسي وجمالية وهندسة بنائها القديم، ويتزامن ذلك مع الانتهاء من ترميم وتأهيل “القبلية”، أو ما يعرف بالمصلى، والذي شارف على الانتهاء كلياً وبحرفية ودقة عالية تم خلالها استخدام أفضل التقنيات لإعادة ترميم هذا الجزء المهم من الجامع، والذي اتسم بالدقة والاتقان لجهة نوعية الخشب المستخدم وجمالية نقوشاته وتقوساته المتطابقة تماماً مع هوية الجامع؛ وتزامناً مع الانتهاء من هذه الجزئية، يتم التحضير حالياً للبدء بتنفيذ مشرع ترميم الجزء الشرقي من الجامع، وحل إشكالية التداخل العضوي مع السوق المجاور تماماً للجامع، والمتضرر كلياً.
وفق المواصفات العالمية
يؤكد علبي صعوبة ومشقة العمل، خاصة في ظل ما يواجهه من صعوبات كثيرة، مشيراً إلى أن إنجاز المشروع قد يستغرق المزيد من الوقت، إلا أن الأهم في هو الإصرار والإرادة التي يتسم بها أعضاء الفريق لتحقيق الهدف وإتمام هذا المشروع الوطني وفق أفضل المواصفات والشروط والمعايير العالمية وبخبرات وكفاءات وطنية خالصة، إذ يقوم بالعمل نحو 100 مهندس ونحات وحرفي، وعامل مدعّم بفريق عمل دارس (معماري، إنشائي)، وآخر منفذ (ورشات متعددة الاختصاصات)، بغية الحفاظ على الجامع ليبقى منارة وإرثاً للأجيال القادمة.
مراحل عمل متقدمة
في سياق تواصل العمل ضمن أجزاء كثيرة في الجامع، يبين علبي أنه تم الانتهاء من ترميم قبة مكان الوضوء، ومكان الشرب، وتم إكساؤها بمادة الرصاص التي استوردت خصيصاً من الصين، إضافة إلى الانتهاء من ترميم القباب، والأجزاء العلوية المهدمة كلياً، والعمل جارٍ لاستكمال ترميم باقي الأجزاء واستحضار الأحجار الناقصة لاستكمال ترميم ما تبقى من أقسام في الجامع بعد أن تم الانتهاء من ترميم الأعمدة الموجودة في الداخل، والتي تعرّضت لتخريب كبير، حيث تم عزلها وفكها وإعادة بنائها من جديد.
صعوبات
لخص علبي الصعوبات التي تواجه العمل بضعف اليد العاملة، وبتأثير الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على الشعب السوري، والذي يحول دون استيراد المعدات والأجهزة الفنية والتقنية المطلوبة، ما يؤخر أعمال صيانة الواجهات الخشبية، وإعادة تأهيل مكتبة الجامع التي تعرضت إلى الحرق من قبل العصابات الإرهابية، وكذلك الأمر ينسحب على أعمال صيانة الشبكة الكهربائية وأعمال التكييف وغيرها من التجهيزات الفنية، بما في ذلك الكثير من مواد البناء والزريقة والأحجار أيضاً.
في غضون عامين
وحول ما تبقى من أعمال ووقت لإنجاز المشروع بشكل كامل، أوضح علبي أن العمل جار بوتيرة عالية، ضمن ما هو متاح من إمكانات، وهناك سعي دائم من خلال التشاور والبحث بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية، وتوظيف الدعم المتاح لتجاوز الصعوبات وتسريع وتائر العمل واستكمال باقي المشاريع، وخاصة إعادة بناء المئذنة واختيار الطرق العلمية الأفضل للحفاظ على قيمتها التاريخية والأثرية، إضافة إلى إنجاز باقي أقسام الجامع، معتبراً أن ما تم إنجازه مهم جداً، علماً أنه مايزال هناك الكثير من الأعمال، والتي قد تحتاج عامين، ليبقى الأمر مرهوناً بتوفر احتياجات ومتطلبات العمل وعدم ظهور صعوبات ومعوقات جديدة، منوهاً إلى أن المشروع يلقى كل الدعم المعنوي والمادي من الشركاء والجهات الوصائية والمعنية.
لمحة تاريخية
أقام الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك الجامع الكبير في حلب على حديقة الكنيسة التي بنتها هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين إمبراطور بيزنطة، والمعروفة الآن بالمدرسة الحلوية. وتأنق في بنائه ليضاهي الجامع الأموي الكبير في دمشق الذي بناه أخوه الوليد. ولكن خلافة سليمان لم تكن طويلة 97 – 99 هـ. /715 – 717 مـ، ومن المرجّح أن الوليد بن عبد الملك ابتدأ ببنائه في حياته، وأكمله أخوه سليمان بعده، وهذا يعني أن المسجد أنشئ خلال عامي 92 – 99 هــ / 710 – 716 مـ.
وتعرض الجامع، في 13 تشرين الثاني 2012، للتدمير على أيدي العصابات الإرهابية التي قامت بتدمير مئذنته الأثرية وصحن الجامع والقبلية وأعمدته، كما قامت بحرق مكتبة الجامع وسرقة محتوياتها وسرقة ونهب المصلى وأبوابه الخشبية الفريدة من نوعها.