من الاتحاد الأوروبي إلى اتحاد الحجر
هيفاء علي
بعد الدور الذي لعبه كلاوس شواب -مهندس عملية “إعادة الضبط الكبيرة” مع تفشي وباء كورونا التي تمّ التخطيط لها من الصفر داخل منتدى دافوس- ودور كريستيان دروستن مستشار أنجيلا ميركل الذي فرض على المجتمع الغربي قرارات مدمّرة تتعلق بالتباعد الاجتماعي، وارتداء القناع والحجر الصحي، بعد كل ذلك.. حان الوقت للكشف عن دور الهندسة المعمارية للحجر الذي أتاح لـ كلاوس شواب تحقيق حلم الاتحاد الأوروبي.
يبدو أن الدكتور شواب تناسى أن السلام قد بُني قبل كل شيء على الردع النووي بعد هزيمة اليابان في أعقاب إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي، تمهيداً للحرب الباردة وانقسام العالم الشرقي والغربي حتى سقوط جدار برلين. وكما قالت المحلّلة الاقتصادية كورالي ديلوم: “إن تحقيق السلام لا يكفي لتشكيل مشروع سياسي، ولم يمنع انتشار المؤسسات التكنوقراطية المسؤولة عن تنفيذه”.
اليوم، يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة أخرى باستخدام كل قواه القهرية وابتزاز الخوف ضد شعوب أوروبا لإسعاد الأوليغارشية العالمية التي هي أصل الاستيلاء الضخم على الرهائن، مع تفشي هذا الفيروس الخطير بنسبة 0.05٪. ولفهم كيف وصل الوضع في أوروبا إلى ما هو عليه اليوم، لا ضير من إلقاء نظرة سريعة على جذور الاتحاد الأوروبي.
الشخص الذي تمّ تسميته وما زال يُطلق عليه “أب أوروبا” هو “جان مونيه” -تاجر كونياك غامض دعمه الأمريكيون في ثلاثينيات القرن الماضي عن طريق البنوك والتمويل الدولي- الذي أسّس فيما بعد لظهور سوق عالمية من دون ضوابط قانونية. وبعد ذلك تمّ طرح عملة اليورو والتي كانت بمثابة فخ، حيث قادت هذه العملة إلى بروز نظام عالمي جديد دون الحاجة إلى إعطاء صوت للشعوب. ووفقاً للمؤرخ إريك برانكا: “في وقت مبكر من عام 1952، عندما دخلت المجموعة الأوروبية للفحم والصلب حيّز التنفيذ، دافع جان مونيه عن هذا التأثير المتشابك، أي النقل (السلس) والذي لا رجعة فيه للسلطات السيادية تجاه المنظمات الفنية الخارجة عن سيطرة الشعوب”، كما أن الدور “الخسيس” للاتحاد الأوروبي في الأزمة اليونانية، الجناح المسلح للترويكا مع ألمانيا في المناورة، هو أفضل مثال على ذلك.
وهكذا، فإن جيسكار ديستان، الذي يُعتبر اليوم “أب الدستور الأوروبي”، سعى جاهداً لتنفيذ برنامج جان مونيه، أي “الاندماج التدريجي للدول الأوروبية في دولة اتحادية تجريبية، تمهيداً لحكومة عالمية”. خلال فترة ولايته، تمّ إنشاء المجلس الأوروبي لرؤساء الدول والحكومات، ثم تمّ اتخاذ قرار في عام 1977 لانتخاب البرلمان الأوروبي بالاقتراع العام، وفي عام 1979 تمّ إنشاء النظام النقدي الأوروبي، الذي أطلق مع معاهدة ماستريخت في عام 1992 العملة الأوروبية الموحدة في كانون الثاني عام 1999. وعليه، لم تعد أوروبا تتمتّع بقدر كبير من السلام، لدرجة أنها قالت في عام 2015 لرئيس المفوضية الأوربية آنذاك جان كلود يونكر: “لا يمكن أن يكون هناك خيار ديمقراطي ضد المعاهدات الأوروبية”.
اليوم، مع بداية عام 2021 يعيش الأوروبيون آخر صراع، وهو تجسيد حقيقي للاتحاد الأوروبي، أي القطع المنظم للشعوب الأوروبية المحتجزة كرهائن في الحجر لجعلها عبيداً طيّعة من أجل وضع البرنامج الشمولي للاوليغارشية العالمية بفضل الخوف من الفيروس الذي تمّ الحفاظ عليه بمهارة من قبل وسائل الإعلام الرئيسية. يتضحُ هذا من خلال آخر أمر قضائي صدر إلى الأوروبيين في 24 كانون الثاني الجاري من قبل المفوض العام بفرض اختبارات “البي سي ار”، الإلزامية لعبور الحدود الأوروبية، على الرغم من اعتراف منظمة الصحة العالمية مؤخراً ببطلان بروتوكول اختبارات “البي سي ار” التي أوصى بها الدكتور دروستن.
لكن قبل كل شيء، يُظهر مثال الأزمة الصحية بوضوح الدور المركزي الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في التدمير المنهجي للدول الأوروبية، حيث واصلت المفوضية الأوروبية من خلال رغبتها الهستيرية لخفض الإنفاق في مختلف الدول الأوروبية، الدعوة إلى تخفيف الإنفاق على الصحة في خضم أزمة كورونا، في حين أن الانخفاض الحاد في أسرّة المستشفيات منذ أكثر من 10 سنوات في فرنسا هو أصل الكارثة الصحية التي تشهدها فرنسا منذ عام، حيث إن عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا أكبر بأربع مرات مما هو عليه في ألمانيا.
وهنا يتذكّر مارتن شردوان، عضو البرلمان الأوروبي أن المفوضية الأوروبية أوصت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخصخصة قطاعات كاملة من قطاع الصحة، وتقليل الإنفاق العام على الصحة 63 مرة بين عامي 2011 و2018. وهكذا، ألغت فرنسا 100 ألف سرير من المستشفيات في غضون 20 عاماً!.
في السياق نفسه، يشير البروفيسور ديدييه راولت إلى النقطة التالية: “إن مستوى المعدات الطبية الحيوية في فرنسا، ولاسيما في المستشفيات الجامعية، منخفض للغاية، لقد كان التعامل مع البكتيريا المسبّبة للأمراض غير لائق منذ عشرين عاماً”. في حين أشار البروفيسور مارك جويوت والبروفيسور ورادو فرانشينو في تقرير نشرته صحيفة هيرالد تريبيون: “لم يكن الفيروس هو الذي تسبّب بالأزمة الاقتصادية، وإنما الطريقة التي تدير بها الحكومة سياستها الصحية. وبالنظر إلى الحالة المؤسفة للبنية التحتية الطبية من حيث سعة المستشفيات، فقد أدى هذا السلوك غير المسؤول إلى هذا الوضع من الإغلاق المتكرّر الذي دمّر الاقتصاد الفرنسي بأكمله”.
من الواضح الآن أن التوجّهات الأوروبية في مجال الصحة، كما هي الحال في العديد من المجالات الأخرى التي تعزّز الإغراق الاجتماعي والمالي بحجة “المنافسة الحرة وغير المشوهة”، تؤدي إلى التدمير المبرمج لدول الاتحاد. لذلك إن رغبة الاتحاد الأوروبي في إنشاء مناطق محفوفة بالمخاطر للحفاظ على الخوف، وجواز سفر للتطعيم باللقاح المضاد لفيروس كورونا الذي تطالب به العديد من الدول الأعضاء لإنشاء مواطنين من الدرجة الثانية وفقاً لخريطة الطريق التي وضعها كلاوس شواب، يجب أن تفتح العيون على الغرض من الاتحاد المتمثل بالحجر.