مجلة البعث الأسبوعية

بعد استئناف “المركزي” للقروض والتسهيلات الائتمانية.. توافق على منطقية القرار وتباين حول القيمة وشروط الإقراض

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار

بعد توقف قرابة ثلاثة أشهر، عاد مصرف سورية المركزي وسمح باستئناف منح التسهيلات والقروض الائتمانية، في الثامن من الشهر الجاري، وذلك عبر قرار جديد استند لتوصية اللجنة الاقتصادية وموافقة رئيس مجلس الوزراء، حيث استهدف القرار إتاحة التمويل للقطاع الزراعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الدخل المحدود، بالإضافة للقروض العقارية.

القرار لاقى ردوداً متباينة من قطاع الأعمال، ففي وقت رآه البعض لا يراعي في قيمة القرض الممنوح اختلاف المشاريع حجماً ونوعاً، رأى البعض الآخر أن مثل هذا القرض لا يستهدف المشاريع الصغيرة والمتوسطة بشكل عملي، حيث أن الأخيرة تعتمد على مؤسسات التمويل الصغير أكثر من اعتمادها على المصارف، في وقت يشكل فيه عاملاً مهماً لمساعدة المشاريع النسائية على إعادة إقلاعها، بعد أن دمرتها الحرب كلياً أو جزئياً، فيما تقيم المصارف القرار بناء على أهداف تنموية، وضمن ضوابط معينة تحمي أموال المصارف والمودعين، وإلى التفاصيل.

 

تبعاً لحجم المشروع

عند تحديد سقف معين للقرض، فإن من الخطأ وضع المشاريع جميعاً في سلة واحدة، فثمة مشروع يحتاج عشرات الملايين وآخر يحتاج ملياراً أو أكثر، وهكذا فإن دراسة الجدوى للمشروع هي من أهم محددات الإقراض، كما يقول رجل الأعمال محمد حسام السراج الذي يرى أن سقف القرض، المحدد بـ 500 مليون ليرة سورية، لا يلبي احتياجات سوى 30 – 40 بالمئة من المشاريع الكبيرة والمتوسطة، والتي هي بطبيعة الحال الأكثر تأثيراً وتحريكاً للنشاط الاقتصادي في البلاد.

ويشير السراج، الذي باشر منذ أشهر تنفيذ مشروع لإنتاج حليب الرضع المجفف في حماة، إلى أن تكاليف هذا المشروع لديه قد تتجاوز الملياري ليرة، وبالتالي فإن قرضاً بهذه القيمة لا يفي بالغرض، ويزداد الأمر صعوبة عندما لا يرغب صاحب الاستثمار بإدخال شريك معه في المشروع، كإحدى طرق الحصول على التمويل اللازم، لأن شراكة جديدة تعني إدارة جديدة، وتدخلاً في قرارات الإنتاج والتسويق والجودة، وهو ما لا ينسجم في بعض الأحيان مع رغبة المستثمر المؤسس.

 

المشاريع النسائية.. صغيرة

قليلة هي المشاريع النسائية الكبيرة، وحتى المتوسطة، وهو أمر معروف قبل الأزمة وبعدها، لأن المرأة تدير مشروعها اعتماداً على نفسها بالدرجة الأولى، وقد يكون هذا المشروع تحت مظلة رجل (أب، أخ، ابن).. تقول رئيسة لجنة سيدات الأعمال الصناعيات في غرفة صناعة دمشق وريفها، مروى الإيتوني، إن غالبية المشاريع النسائية هي مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر، ولكنها بالرغم من ذلك تحقق فائدة كبيرة، لأنها تدخل في صلب تنمية المجتمع والفئات الأكثر احتياجاً وتهميشاً.

أما عن أهمية قروض المصارف لسيدات الأعمال، فترى الإيتوني إنها مهمة جداً، بالنظر لحاجة المشاريع النسائية لها، سواء لتأسيس الجديد منها، أم لترميم تلك التي دمرتها الحرب، وهذه تشكل نسبة كبيرة على مستوى البلاد بشكل عام، وعلى مستوى دمشق وريفها، حيث طالت الأضرار والدمار مناطق كاملة، كما حل بمناطق حوش بلاس والسبينة والقدم والغوطة والقابون وغيرها.

وقدرت الإيتوني عدد المشاريع التي دخلت في التنظيم في منطقة القدم وحدها بـ 1200 مشروع، ومثل هذه المنطقة وغيرها من مناطق التنظيم تحتاج قرارات حكومية حاسمة وسريعة ودقيقة، مشيرة إلى أن الوقت الحالي هو وقت العمل لا البناء، لأن الإنتاج هو من ينعش الاقتصاد، فيما يستهلك هذا البناء الموارد والثروات، وإلى أن نحو 30 – 40 بالمئة من مشاريع النساء ظلت قائمة وتعمل، أما بقية المشاريع، فقد طالها دمار كامل أو جزئي، لذا فإن قرض الـ 500 مليون ليرة، لا يعد كبيراً حتى بمقاييس المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، لأن التكاليف تضاعفت عشرات المرات، سواء عندما يتعلق الأمر بمقر المشروع أم الآلات أم المواد الأولية.. كل شي بات مختلفاً ومكلفاً.

 

التمويل الصغير

لا تركز المشاريع الصغيرة والمتوسطة على التسهيلات الائتمانية التي تقدمها المصارف، لأنها تعتمد في تمويلها بالدرجة الأولى على مؤسسات التمويل الصغير، كما يقول المدير العام لهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إيهاب اسمندر، الذي يؤكد أن مثل هذه المشاريع ليست مستهدفة تمويلياً من المصارف، فحصة هذه المشاريع من التسهيلات المصرفية المحلية لا تتجاوز الأربعة بالمئة، وهي من أقل النسب حول العالم!

ويعد اسمندر أن أي قرار جديد، يستهدف تسهيل نفاذ المشاريع إلى التسهيلات الائتمانية، هو قرار جيد بالضرورة، لذا فإن قرار استئناف القروض المصرفية الأخير يصب في هذا الاتجاه، لافتاً إلى أن الاستهداف يجب أن يكون شاملاً للقطاعات جميعاً، وإن كانت الغلبة للمشاريع الزراعية، لما تمتاز به هذه المشاريع من خصوصية الإنتاج والإدارة والتسويق، والتي غالباً ما ترتبط بالشخص نفسه، وقد يكون هذا التركز سبباً رئيساً من أسباب النجاح.

 

.. إلى المشاريع الإنتاجية

يلفت المدير العام للمصرف التجاري، الدكتور علي يوسف، إلى أهمية أن تتوجه القروض والتسهيلات المصرفية إلى المشاريع التنموية، بدلاً من توجهها إلى الأغراض الاستهلاكية، لأن الأولى تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو أهم هدف من أهداف المصارف، عندما تقدم هذه التسهيلات، ولأن إخراج السيولة المصرفية لا بد وأن يخدم أهدافاً محددة؛ فمثلاً، تستهدف قروض ذوي الدخل المحدود جوانب شخصية واجتماعية، فيما تستهدف القروض الزراعية تنمية القطاع الزراعي، وتعزيز الأمن الغذائي، وهذان الهدفان يصبان في صلب السياسة الحكومية تجاه هذا القطاع، كما تستهدف القروض العقارية تمكين الفئات غير القادرة على شراء المسكن من ذلك، مشيراً إلى أن قرضاً بـ 400 مليون ليرة لشراء بيت، يعد بلا شك قرضاً كافياً، ويلبي متطلبات المقترض كماً ونوعاً.

ويشرح يوسف دواعي التشدد في ضوابط القروض المصرفية، مبيناً أنها وضعت كي تحقق هذه القروض الأهداف والغايات التي وجدت من أجلها، حيث تقع على عاتق المصارف المقرضة مسؤولية تتبع المشاريع وتنفيذها وجدواها وملاءتها المالية، وما إلى ذلك من هذه التفاصيل.. فالمطلوب هو إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية، لا المضاربة في شراء وبيع القطع، أو الإنفاق على سلع استهلاكية لا تخدم مثل هذه التنمية.

ويميز مدير التجاري بين طبيعة تعاطي كل من المصارف الحكومية والخاصة مع القروض والتسهيلات، مؤكداً أن الأولى أكثر تشدداً في المنح، لأنها محكومة بالجوانب الإدارية والرقابية، وبالتالي هناك صعوبة في اتخاذ القرار وتنفيذه، كما أن لكل مصرف من المصارف الستة تخصص محدد، فالمصرف الصناعي في اتجاه، والزراعي في اتجاه آخر، والشيء نفسه بالنسبة للمصارف الأخرى، إلا أن قاعدة العملاء والزبائن لدى التجاري تبقى هي الأوسع. أما فيما يخص المصارف الخاصة، فإن طبيعة وآليات اتخاذ القرار مختلفة، حيث هامش المرونة أكبر، وصلاحيات الإدارة أوسع، فمثلاً قد يعطي مجلس إدارة المصرف أو مديره التنفيذي قرضاً لهذا العميل أو ذاك على مسؤوليته، رغم عدم توافر الشروط والضوابط اللازمة لديه، ما يعني أنه اتخذ قراراً على مسؤوليته الشخصية، نتيجة ثقة معينة بهذا العميل، أو توافر ضمانات معينة قد لا تقبلها المصارف الحكومية.

 

.. لمزيد من الحماية

في جوابه على سؤال: ألا يعد القرار الجديد متشدداً في الضوابط التي وضعها كشروط للإقراض؟ يقول المدير العام للمصرف الصناعي، الدكتور عمر سيدي، إن مثل هذه الضوابط أتت حماية من مخاطر تعثر العميل عن السداد، لأن المصرف عندما لا يستطيع تحصيل ديونه، يكون حكماً قد غامر بأمواله، التي هي بطبيعة الحال أموال المودعين، وهو أمر عانى منه، وما زال، الصناعي طوال عقود، ما يجعل اتخاذ قرار الإقراض لديه حالياً أكثر صعوبة وحسماً، بمعنى عدم الموافقة على القرض إلا على بعد تقييم الملاءة المالية للعميل بكل حيثياتها وتفاصيلها، ما يخدم الأطراف المتعاملة جميعاً.

 

إلى ذلك..

وكان المركزي طلب من المصارف “التريث في عمليات تجديد التسهيلات الائتمانية بأشكالها وصيغها كافة” بموجب تعميمه 16/ 2922/ ص، الصادر في الحادي عشر من حزيران الفائت، حيث لاقى القرار، يومها، امتعاضاً وتذمراً من قطاع الأعمال، بالنظر لكونه أعاق استكمال المشاريع القائمة، والمباشرة بأخرى جديدة، في وقت أصبحت البلاد أحوج ما تكون فيه لتوسيع قاعدة الاستثمار بهدف التغلب على تبعات العقوبات الاقتصادية الجائرة، وتوفير بدائل للمستوردات، وتحريك أنشطة اقتصادية باتت شبه متوقفة..