مجلة البعث الأسبوعية

على وقع ارتفاع أسعار الخيوط والغزول.. صناعة الألبسة تدخل مرحلة “الموت السريري”!!

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار

تبدي أوساط مصنعي النسيج والتريكو والملابس الجاهزة تخوفاً من تراجع صناعتها، جراء رفع أسعار الغزول مؤخراً، ما يعني بالنسبة لهؤلاء تهديداً حقيقياً لمستقبل أعمالهم، بالنظر لإضعاف قدرتها على منافسة المنتجات المستوردة والمهربة، ويعني تدهوراً في الإنتاج، وانخفاضاً في المبيعات، وتسريحاً للعمالة، ونقصاً في الموارد، وتراجعاً في النشاط الاقتصادي.. يشير أحد الصناعيين، مستشرفاً مستقبل هذه الصناعة، إلى أنها بدأت تدخل مرحلة “الموت السريري”!

ويتوقع هذا الصناعي أن تشهد أسعار الملابس الجاهزة، خلال الأشهر المقبلة، ارتفاعاً جنونياً، وانكماشاً لحركتها الضعيفة أصلاً، وهو انكماش لا يخدم المصلحة العامة، كما لا يسهم في رفع إيرادات الخزينة التي تتحسن وتنتعش بزيادة الإنتاج والمبيعات والتصريف، وبالتالي بتسريع عجلة الإنتاج لقطاع يعد من أهم القطاعات الإنتاجية في البلاد، فهل باتت صناعتنا ونسيجنا في خطر..؟! يقول متسائلاً.

 

نبض السوق

لاستجلاء أبعاد المشكلة، جالت “البعث الأسبوعية” على بعض محال بيع الملابس، ورصدت بعضاً من آراء الباعة والمستهلكين، الذين توقعوا أن يؤدي رفع أسعار الغزول القطنية إلى ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة المرتفعة أساساً. وتستشهد إحدى المتسوقات، التي حضرت لشراء بعض الملابس لأولادها من فئات الأطفال والمحير والبناتي، بوصول الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، إذا أن أغلب هذه الفئات ارتفع، خلال الأشهر الفائتة، إلى ضعفين أو ثلاثة، فماذا لو ارتفعت من جديد؟!

ويقدر أحد الباعة أن الأسعار قد ترتفع، على ضوء رفع أسعار الغزول، بنسبة 200 – 300% عن أسعار الحالية، وفي ظل ضعف القوة الشرائية للمستهلكين، فإن جموداً كبيراً في الأسواق، ربما يكون سيد الموقف خلال المرحلة المقبلة، لافتاً إلى ركود ملحوظ تشهده الأسواق حالياً، فقد يمر يوم كامل لا تتجاوز فيه مبيعات المحل الواحد 6 – 8 قطع، قياساً بمرحلة ما قبل موجة الغلاء الأخيرة، حيث كانت هذه المبيعات تتجاوز في بعض الأحيان العشرين قطعة.

 

الحدث..

تماشياً مع ارتفاع تكاليف الإنتاج والغلاء بصفة عامة، رفعت المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أسعار مبيع الغزول القطنية بالليرات السورية في شركات الغزل التابعة لها كافة، وذلك بموجب الكتاب رقم ج/ 887، تاريخ 11/ 09/ 2020، والذي جاء استناداً إلى كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 16594/ 1، تاريخ 27/ 11/ 2018، وكتابها 5720، تاريخ 17/ 04/ 2019، وموافقة مجلس إدارة المؤسسة في جلسته الـ 13 في 16/ 09/ 2020؛ وبينت المؤسسة أن هذه الأسعار هي أسعار المبيع “أرض الشركة”، و”ظهر السيارة” داخلياً.

 

والتعليق..

رداً على الانتقادات الموجهة للقرار بوقوفه وراء ركود محتمل للأسواق، وتراجع للصناعة ككل، قال المدير العام للمؤسسة نضال عبد الفتاح: إن التخوف من ذلك كله غير مبرر، فأسعار المؤسسة ما زالت هي الأرخص قياساً بالأسواق المحلية والخارجية، بدليل أن الطلب على منتجاتها لم يتراجع، مشيراً إلى رفض المؤسسة الكثير من الطلبيات الخارجية، وإعطائها الأولوية لتلبية احتياجات السوق المحلية.

وبين عبد الفتاح أن المؤسسة تراجع، بشكل دوري، تكاليف الإنتاج، ومنها بطبيعة الحال أسعار القطن والغزول والخيوط، وتسعّر منتجاتها بناء على تقييم الموقف، مؤكداً أن المنتجات السورية من هذه الأنواع ما زالت هي الأرخص في السوق العالمية، كما أنه ليس سراً أن موجة الغلاء الأخيرة رفعت تكاليف الإنتاج في القطاعات كلها.. وبالتالي، كيف يمكن للمؤسسة أن تبقي أسعارها متدنية إذا أرادت أن تربح؟!

 

تسجيل نقاط..

يقول الصناعي الدكتور أسامة زيود إنه لا اعتراض لدى الصناعيين على رفع سعر القطن للفلاح، فتكاليف الحياة أصبحت مرتفعة جداً، وكذلك تكاليف الإنتاج أيضاً، ولكنهم معترضون على الزيادة الكبيرة جداً على سعر الخيط، والتي جاءت، هذه المرة، ثلاثة أضعاف الزيادة على سعر القطن. وبفرض أن هناك خياساً وهدراً في الإنتاج، فلا يجب أن تتجاوز الزيادة في الخيط ١٥٠% من زيادة سعر القطن، أي بحدود ٥٢٥ ليرة..

ويتساءل زيود إن كانت هناك تكاليف جديدة، أو تغيير في خطوط الإنتاج، استدعت وبررت الزيادة الأخيرة، وهل هناك أية زيادة في رواتب الموظفين؟ والسؤال المهم جداً: هل هذا السعر متناسب مع الجودة المقدمة، ولماذا الاستهتار في إنتاج القطاع العام، في حين أن معامل القطاع الخاص تتعامل بالقطن نفسه، وتعطي جودة أعلى؟ وهل قورنت أسعار الخيوط المحلية مع نظيرتها العالمية؟ وكيف تمت هذه المقارنة؟ وهل يعلم أصحاب القرار أن سعر الخيط الهندي في دمشق (١/ ٣٠ كومباكت) هو ١٥.٣ دولاراً، مع ربح التاجر والضرائب والجمارك وأجور الشحن؟ أي أن سعره في الهند لا يتجاوز ١٠.٢ دولاراً، في حين أن سعر الخيط الوطني اليوم في السوق الموازية (السوداء) ١٥.٢ دولاراً، ووفقاً لسعر صرف مصرف سورية المركزي ٧.٣ دولاراً، فهل يعقل أن تجرى الدراسة على السعر في سورية، أم في البلد الأم (الهند)، مع عدم النظر إلى الفارق الهائل في الجودة، والذي لا يختلف عليه اثنان؟!

 

عدو منافس

ولفت زيود إلى وجود بلد منافس وعدو على حدودنا، لديه الإمكانات للإنتاج وإغراق أسواقنا المحلية، فاستيراد الخيط لديهم سهل جداً، ودون جمارك وضرائب وقيود، إضافة لسهولة كل أنواع الاستيراد في تركيا، وتصنيعهم للماكينات وقطع الغيار، ودعم صادرات بلغ ١٨%، وتسهيلات ضخمة وقروض، ودعم للإنتاج وإعفاءات؛ وعند الحديث عن مصر، فهي أيضاً تتبع سياسة حمائية عالية جداً، إذ تمنع دخول بضائع منافسة لمنتجاتها، وتضع شروطاً شبه مستحيلة على هذه البضائع، ولديها دعم صادرات ٩%، واتفاقيات مع كل دول العالم لدخول بضائعها دون رسوم.. وبالتالي، هل سأل أحد نفسه: لماذا معاملنا متوقفة؟ وهل زار الأسواق وشاهد البضائع التركية؟ وهل دخل أحد ليشتري ملابس، ولم يخبره البائع أن القطعة تركية؟ وهكذا لم يعد الموضوع خافياً على أحد.. لقد صارع المنتجون على مدار ١٠ سنوات ليستمروا، أما اليوم، فإن بعضهم وصل إلى حالة من اليأس لم يشهدها خلال سني الحرب!

 

تصدير.. كيف؟!

يرى هذا الصناعي أن التصدير بات لا يملك أدنى مقومات المنافسة، عازياً ذلك لمعوقات كثيرة منها إن سعر الخيط الأجنبي مرتفع جداً، والوطني سعره مرتفع وجودته رديئة، كما أن المصابغ تعاني من عراقيل مختلفة، في مقدمتها ندرة مستوردي المواد الكيميائية المساعدة، والذين يكاد عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتقادم الآلات وعدم وجود قطع للصيانة، وعدم القدرة على التعاون مع الشركات المصنعة في ظل العقوبات الاقتصادية الظالمة على سورية، كذلك انعدام الأسواق الداخلية التي تشجع على التطوير، وتجاوز الفجوة الزمنية ٢٠١١ – ٢٠٢٠، وإغراق الأسواق بالمنتجات المهربة، وهجرة أصحاب الخبرات وامتهانهم المهنة ذاتها في الخارج، وخروج زبائنهم معهم، وبذلك أصبح صناعيونا منافسين لأسواقنا الخارجية.

 

لنقترح..

إزاء تراجع هذه الصناعة والخوف على مستقبلها، ما الذي علينا القيام به؟ يجيب زيود:

– منع استيراد الأقمشة القطنية ومحاربة المهربين.

– عودة القيمة الاسترشادية للأقمشة إلى ٥.٧ دولارات، كما كانت قبل الحرب، علماً بأن الصناعيين هم من وافق على تخفيضها إلى ٥.٣ دولارات، بسبب استهداف ريف دمشق وحلب.. أما اليوم، فما المبرر لبقائها على حالها، وهي تعادل سعر الخيط، خاصة بعد عودة هاتين المنطقتين إلى الإنتاج، ورفد السوق المحلية؟

– إذا كان الهدف من التصدير دعم المنتج المحلي، فلا طاقة للصناعيين به، في ظل هذه المعاناة، إلا إذا كان – مثلما روج له بعض المستوردين – إدخال بضاعة أجنبية بنسبة ٨٠ %، وتفصيلها وبيعها بقيمة مضافة منخفضة جداً..

– منع استيراد البضائع التركية منعاً مطلقاً، وفرض ضريبة ٣٠% على الأساسية منها.

– ضرب مستودعات المهربين في الحريقة وجرمانا والأشرفيه في حلب.

– تفعيل قرارات اللجان التي أضاعت الكثير من الوقت، واستهلكت خبرة ومعرفة عديد القطاعات للوصول إلى نتائج مرضية ترفع سوية هذا القطاع، ثم بقيت هذه القرارات حبيسة الأدراج.

– عدم تجريب المجرب، أو إعادة التجارب الفاشلة، مع مراعاة دور الصناعة النسيجية المحلية طوال أربعة عقود، ومنافستها للمنتجات الأوروبية، وكيف كانت إحدى أهم الصناعات التحويلية الوطنية تصديراً وتشغيلاً للعمالة.

 

سؤال ليس بريئاً!

ثمة فجوة واسعة يلحظها البعض بين تكاليف الإنتاج الحقيقية وسعر المنتج النهائي، فمثلاً، ومع ارتفاع أسعار القطن، فإن سعر الكغ الواحد من نمرة 24 غزل مسرح كان يساوي 2615 ليرة، وأصبح 3915 ليرة، فإذا كان وزن القميص حوالى 300 – 400 غرام، فإنه يحتاج خيوطاً بحدود 2000 ليرة، لكن سعر مبيعه يبدأ بعشرة آلاف ليرة.. طبعاً يبقى هذا السعر مبالغاً به حتى مع احتساب تكاليف الإنتاج الأخرى، فما أنتم قائلون أيها السادة المصنعون؟!