الاسم عجمي والهوية شرقية.. حرفة دمشقية زخرفت قصور العالم
“البعث الأسبوعية” ــ ريم ربيع
من المسجد الأقصى إلى قاعات الشرف في المتاحف العالمية، يهندس الحرفيّ الدمشقي طريق الرسم العجمي ليجعل منه حاضراً في كل ركنٍ من العالم، وفي كل ثقافة، ودليلاً على الصنعة الدمشقية المشغولة بأيادٍ من ذهب.
الرسم العجمي، أو الدهان الدمشقي، أو الزخرفة، أو الرسم النباتي، على الخشب، كلها مسميات لحرفة واحدة نشأت في دمشق وانتشرت منها إلى كل العالم. ورغم توزع الحرفة في عدد من الدول، اليوم، إلا أن الأصل في اليد العاملة و”شيوخ الكار” هم دمشقيون حتماً، فلا منافس لهم فيها، وبقي الطابع الشرقي الدمشقي الهوية الملاصقة لها.
أصالة
تعود بداية الحرفة إلى 1400 سنة ماضية، إذ يوضح شيخ كار الرسم العجمي عرفات أوطة باشي أن الإسلام شكّل أحد الأسباب الرئيسية بظهورها، كون مدينة دمشق أول دولة خلافة كعاصمة للدولة الأموية؛ ونتيجة لارتباط الفن بالسياسة حينها، توجه الفنان الدمشقي في منحى جديد تمثل بالرسم النباتي والهندسي ورسم الخط، فظهرت قواعد الزخرفة التي عُمّمت لاحقاً في الشرق والغرب، وكان أول عمل أنشئ من هذه الحرفة هو المسجد الأقصى بيد المهرة الدمشقيين، تلاه مسجد بني أمية بزخارفه المعروفة التي تطورت مع الوقت، وانتقلت بعدها إلى الأندلس مع انتقال الأمويين إليها، وما زال الطابع الشرقي هناك شاهداً حتى اليوم على أصالة هذا الفن.
قاعات شرف
أهم المتاحف العالمية تضم اليوم قاعات شرقية مميزة، وهي غير متاحة ليزورها سوى ضيوف الشرف وليس رواد المتاحف العاديون، فهناك قاعة في متحف المتروبوليتان في نيويورك، وفي متحف اللوفر في باريس، وفي ألمانيا، وفي تركيا بقصر يلدز، وقصر محمد علي في مصر، والمتحف الإسلامي في ماليزيا، وطبعاً يمكن مشاهدة القاعات الشرقية في الكثير من البيوت الدمشقية القديمة، فضلاً عن القاعة الشامية في المتحف الوطني، وكان آخر عمل أنجز في الخارج قبل اشتداد الحرب والعقوبات على سورية هو قصر السلطان قابوس في مدينة صحار عام 2012.
ليس فردياً
غير أنه ورغم الانتشار الواسع، إلا أننا لا نجد توقيعاً أو اسماً للحرفي على عمله، على عكس الفن الغربي الذي يشكل توقيع صاحبه جزءاً كبيراً من قيمته؛ والسبب – وفقاً لأوطة باشي – أن الفن الشرقي عمل جماعي وليس فردياً، مستشهداً بمقولة المستشرق الفرنسي جاك مارديان: “الفن الشرقي يبحث عن المجموع أما الفن الغربي فيبحث عن الأنا”. ومع ذلك، يرى أوطة باشي أن البعض اليوم تسبب بانتشار السوقية والابتعاد عن الفن لأسباب مادية، إضافة إلى إغفال الأسس الهندسية في العمل والاعتماد على الجانب الفني فقط.
توارث الحرفة
شيخ كار الحرفة، الذي ورثها عن عائلته، يقول لـ “البعث الأسبوعية”: عائلتي كانت المؤسسة الأولى للحرفة، وجدي محمد أديب أوطه باشي هو من نشر الحرفة وأخرجها من نطاق العائلة لأنها بحاجة إلى يد عاملة. وكان الجيل الأول من عائلة الأوطة باشي، في غالبيته، من الحرفيين المهرة، وعُرفوا حينها بعائلة الدهّان. واليوم، نحن مستمرون بتوريثها لأبنائنا، ولكل من يرغب بالتعلم للحفاظ عليها، فهناك خطة تدريب مستمرة عبر دورات عديدة، إلا أن الغلاء الكبير في المواد يشكل عائقاً حقيقياً، نظراً للوقت الطويل الذي يتطلبه التدريب وما يرافق ذلك من شراء مختلف المواد والأدوات.
مدينة مبدعة
ويؤكد شيخ كار العجمي أن العمل ما يزال حتى اليوم يدوياً بالكامل، رغم التطور التقني الذي تقتصر الاستفادة منه على استخدام برامج التصميم في الرسم الأولي، ودقة القياسات، لتلافي أي خطأ؛ أما التطبيق، فقد حافظ على الخطوات القديمة نفسها، علماً أن عدد الحرفيين اليوم يبلغ 60 شخصاً، بين محترف وعامل أو متدرب، بينما لا يتجاوز عدد المحترفين الفعليين أصابع اليد الواحدة، لافتاً إلى أنه يتم العمل اليوم لتسجيل دمشق في شبكة المدن المبدعة بالحرف التراثية لدى اليونسكو.