حزب “باتريوت” ومستقبل ترامب السياسي
عناية ناصر
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب طرح فكرة إطلاق حزبه السياسي المسمّى “حزب باتريوت” خلال أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. لقد كان ترامب متوتراً في ذلك الوقت، إذ أغلقت الجدران وبدأ مجلس النواب محاكمة ثانية ضده، وانتقده بعض حلفائه في حزبه بسبب التحريض على أعمال الشغب في 6 كانون الثاني في مبنى الكابيتول.
في الواقع، لم يصدم الهجوم على مبنى الكابيتول الولايات المتحدة فحسب، بل دفع أيضاً العديد من حلفاء ترامب الجمهوريين للبحث عن الذات. فزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي كان مؤيداً قوياً وحليفاً لترامب، انفصل عن ترامب واتهمه باستفزاز الغوغاء، ووصل به الأمر إلى درجة القول إن الهجوم كان تمرداً. حتى نائب الرئيس السابق مايك بنس، الجمهوري المحافظ الذي كان يُنظر إليه على أنه تابع لترامب، رفض دعوة الرئيس السابق لسحب شهادات الناخبين في 6 كانون الثاني، وغاب عن حفل وداع ترامب لحضور تنصيب جو بايدن.
إذا كان ترامب يقصد ما قاله وشرع في إنشاء حزب ثالث، فما هي التحديات التي سيشكلها على نظام الحزبين الأمريكي، وخاصة على الحزب الجمهوري؟ وهل سيصبح ذلك وسيلة لإعادة ولادة ترامب السياسية؟.
من الناحية التاريخية، لا يؤدي الحزب الثالث دوراً جيداً في نظام الحزبين الأمريكي، فقد كان هناك العديد من الأحزاب التي جاءت وذهبت في الولايات المتحدة، ولم يتمكّن أيّ منها من تحدي نظام الحزبين الراسخ. حتى الرئيس الأمريكي السادس والعشرون ثيودور روزفلت جونيور، الذي ظهر وجهه على جبل رشمور جنباً إلى جنب مع جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وأبراهام لينكولن، فشل في الفوز بالانتخابات الرئاسية عام 1912 عندما كان محبطاً من حزبه وأسس حزباً ثالثاً.
في البيئة السياسية الأمريكية اليوم، حيث تحتاج الحملات الرئاسية إلى مبالغ ضخمة من المال وإلى دعم مؤسّسي واسع النطاق، لن يكون مرشح حزب ثالث مستقل أو مؤسّس حديثاً منافساً جدياً لمرشح ديمقراطي أو جمهوري. لهذا السبب قام ترامب بحملته الانتخابية كمرشح رئاسي جمهوري في المقام الأول في عام 2016.
حتى لو أسّس ترامب حزباً ثالثاً، فسيكون ذلك مصدر إزعاج خطيراً للحزب الجمهوري، فاليوم ينقسم الحزب الجمهوري على نحو متزايد إلى ثلاث فصائل: لا لترامب أبداً، جمهوريو ترامب، وما يسمّى (RINOs جمهوريون بالاسم فقط). من بين هذه الفصائل، يعدّ جمهوريو ترامب الأقوى، كما يتضح من حقيقة أن 197 من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين صوّتوا ضد عزله في أعقاب أعمال الشغب في الكابيتول.
إذا أنشأ ترامب حزباً بنكهته الشعبوية المميزة، وأدار حملة رئاسية مرة أخرى في عام 2024، فمن المؤكد أنه سيؤدي إلى إخراج العديد من الأتباع من الحزب الجمهوري، بل إنه قد يقضي على فرصة أي مرشح جمهوري للفوز بالانتخابات. علاوة على ذلك، قد يضرّ ترامب بمستقبل الحزب الجمهوري من خلال الإضرار بقاعدته السياسية.
إضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يتمّ تحديد المستقبل السياسي لترامب كمرشح رئاسي محتمل في عام 2024 من خلال محاكمة مجلس الشيوخ المعلقة بشأن مساءلته الثانية، فمجلس النواب صوّت على عزل ترامب لدوره في أعمال الشغب في مبنى الكابيتول وأرسل قراره إلى مجلس الشيوخ لمحاكمته في الأيام المقبلة.
إذا أدين ترامب في مجلس الشيوخ، الأمر الذي يتطلّب ثلثي أصوات مجلس الشيوخ، وصوّت مجلس الشيوخ بعد ذلك لمنع ترامب من تولي منصب في المستقبل، فإن آماله في إدارة حملة رئاسية مرة أخرى في عام 2024 أو في المستقبل ستتبدّد. ووفقاً للتعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، سيتمّ منعه من الترشح لأي منصب سياسي لأنه أدين بـ”العصيان”.
ومع ذلك، لا يتوقع أن يستبعد ترامب، ولا يزال بإمكانه ممارسة نفوذ سياسي كبير من خلال إنشاء حزبه ودعم مرشحيه السياسيين حتى لو لم يترشح هو نفسه. حتى الآن، يقف عدد قليل من الجمهوريين في مجلس الشيوخ علناً للموافقة على العزل، على الرغم من أن الكثيرين يشكّكون بدستورية عزل رئيس سابق. فإذا تمّت تبرئة ترامب في محاكمة مجلس الشيوخ، فسيظل قوة سياسية هائلة وسيشكل قلقاً لكلا الحزبين.
هل سيكون “حزبه الجديد” عدوانياً وخطيراً؟. من المفارقات أن نشير إلى أن جزءاً من كلمة “باتريوت” يدلّ على “شغب”!.