ثقافةصحيفة البعث

فيفيان جبور: الموسيقا جزء من الرسم لا تنفصل عنه

انثناءات وتعرجات الدخان الأبيض المهيمنة على ملامح الأنثى والمتعربشة على فضاءات اللوحة، شكّلت برمزية مكثفة هواجس روح اللوحة الخفية التي لم تظهرها التشكيلية فيفيان جبور بخطوطها وتكويناتها، فظهرت بالدخان لتشي بالروح الشغوفة والفرحة الحالمة والضائعة حيناً، في معرضها الذي أقيم مؤخراً في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) بعنوان “دخان راقص”، جسّدت فيه بورتريهات أنثوية بأسلوب يميل نحو الواقعية السريالية أكثر من الانطباعية.

قُسم المعرض إلى مجموعتين: “أنثى على قيد الزواج، وأنثى على قيد الحياة” وعن ذلك تحدثت الفنانة:

أنثى على قيد الزواج مجموعة أشبه برواية متتابعة الفصول، اعتمدت فيها على اللونين الأبيض والأسود المعبّرين عن التضاد والمفارقات والحياة بكل ما فيها، وبدأت برسم الأنثى وهي بحالة الحب والفرح ابتداءً من باقة الورد إلى تحضيراتها للزواج إلى ثوب العروس لتمرّ بكل المراحل المتعاقبة، ومن ثم تصل إلى مرحلة التعبير عن الذات والنضج الفكري والنفسي، وصولاً إلى المصالحة مع ذاتها بوقوفها أمام المرآة، ونلمح الإحساس بالانكسار البادي على ملامحها وحزن نظراتها في بعض اللوحات، إلا أننا نقرأ الجواب في لوحة العطاء الذي لا ينضب، سواء أكانت سعيدة أم حزينة، فباقة الورود الحمراء تغطي يدها رغم كل الأشواك الواخزة. أما المجموعة الثانية فعنونتها “بأنثى على قيد الحياة” وعبّرتُ فيها عن حالات فردية تعيشها الأنثى، حيث نرى الأنثى السعيدة والغاضبة والمكبوتة والمعنفة والحالمة والساكنة.

*الآلات الموسيقية تبدو حاضرة بمباشرة فنية ضمن فضاء اللوحة، فهل هي جزء من حياتك وما تأثيرها في اللوحة؟.

أسمع أغلب أنواع الموسيقا، لكن تستهويني الكلاسيكية وأعزف على البيانو وأولادي يعزفون على الغيتار والكمان، الموسيقا جزء من حياتي وكانت الآلات الموسيقية مكوناً أساسياً في لوحاتي، إذ وظفتُ الناي والكمان والغيتار والبيانو والآلات الإيقاعية الخشبية، كلها لم تشغل حيزاً من فضاء اللوحة فقط وإنما التصقت بحياة الأنثى ويومياتها بالعزف على الآلة والإغراق بتأثيرها الساحر على الروح والمضمون، وانعكس ذلك بالتشكيلات الرمزية للحالات الذاتية التي تعيشها الأنثى وتحلم بها، وفي مواضع ارتبطت بقوة باللون كما في لوحة الأنثى عازفة الغيتار المحاطة بالآلات الخشبية الإيقاعية بضرباتها الفرحة النشطة الحيوية بحالة الحب، والتي يسكنها الانتظار والترقب من تعرجات الدخان المشكّلة الحصان القادم دون فارس، وامتد الدخان الراقص في لوحات كثيرة ليكون البطل مع الآلات الموسيقية المؤنسنة بعلاقة غير مباشرة. وبرأيي الفنون كتلة واحدة مكتملة ومتداخلة، والموسيقا جزء لا يتجزأ من الرسم لا يمكن أن تنفصل عنه، فأدخلت على بعض اللوحات نوتات حقيقية لسيمفونيات شهيرة رسمتها بدقة ولم أدمجها بتقنية الكولاج.

*للشمعة دور إيحائي.. لماذا كانت إحدى أدواتك؟.

رافقت الشمعة مكوّنات اللوحة وارتبطت بعلاقة تواشجية بين الشمعة المضيئة التي تذوب احتراقاً وتشكيلات الدخان بحضورها المباشر أو بدخانها المنبعث من الشمعدان ومن احتراقاتها، فكانت إحدى الأدوات التي اعتمدت عليها ووظّفتها لتشي بالمضمون الرمزي، فهي الأمان والدعاء في ابتهالاتنا، ترافقنا بالصلوات والترانيم، وكانت في أخرى الأمل والحلم والأمان هي الدخان المتراقص.

*الملفت بمعرضك تنوع اللوحات واختلاف أحجامها من الصغيرة إلى الجداريات، فماذا تعني لك اللوحة الصغيرة جداً؟.

هي قريبة من القصص القصيرة جداً، وأنا أكتب بعض الخواطر وأحسست بأنها قريبة جداً من المتلقي، ومن الممكن أن تشغل أية زاوية في المنزل، تضفي جمالية على المكان، ولها خاصة بدقة الرسم ضمن مساحة محدّدة وإظهار التفاصيل الصغيرة، وقد ابتعدتُ من خلالها عن البورتريهات لتأخذ دورها بومضات حياتية.

*هل تغيّر مسارك الفني في معرضك الفردي الأول عن مسارك في المعارض الجماعية؟.

في هذا المعرض تغير مساري الفني تغيّراً جذرياً، إذ انطلقت من فكرة جديدة تعبّر عني وتميزني بحيث تكون بداية جديدة من حيث المضمون والتقنية، فرسم الدخان وحده هو تقنية جديدة، وليس من السهل رسم خطوطه المتعرجة بريش دقيقة متعددة الأشكال وبألوان زيتية وليس كما يعتقد البعض بالأحبار، حتى مجموعة أنثى على قيد الزواج التي رسمتها بالخطوط البيضاء على خلفية سوداء هي بألوان الزيتي وليس بالأحبار كما اعتقد كثيرون من زائري المعرض، وكذلك الخلفيات في لوحاتي جاءت بشكل حجري على سطح أملس وهذه تقنية خاصة. أما مشاركاتي السابقة فتقسّم إلى مرحلتين من عام 2005 حتى 2018 من خلال معارض جماعية في طرطوس رسمتُ فيها بورتريهات بالفحم والمائي والزيتي، ومن 2018 حتى 2020 شاركت مع مجموعة بموضوعات مشتركة نختارها بشكل جماعي، والآن مرحلة جديدة صولو بالمعارض الفردية، وبعد انتهاء المعرض في دمشق سأنقله إلى حمص ومن ثم إلى طرطوس وربما إلى حلب.

*عادة الأطباء يحبون الشعر وبعضهم يوصفون بالشعراء، فكيف جمعت بين الطب والرسم؟.

منذ أن كنتُ في الثالثة من عمري وأنا أرتاد مركز صبحي شعيب التابع لنقابة الفنون الجميلة حتى أثناء دراستي في كلية الطب، وموهبتي بالرسم كان لها دور أساسي في تخصصي بالجراحة العينية تحت المجهر التي تتطلّب حركة يد دقيقة جداً، فتعلمت الصبر من الطب والجراحة وتعلمت دقة اليد من الرسم.

ملده شويكاني