حين ينضم “الجولاني” إلى فريق “الدبلوماسية القصوى”
أحمد حسن
إنه، على ما بشّرنا الرئيس الأمريكي جو بايدن، موسم “الدبلوماسية القصوى” في السياسة الخارجية على حساب “الضغوط القصوى” التي كانت سمة أساسية من سمات عهد دونالد ترامب السابق، أو “الفارط” بتعبير إخواننا المغاربة.
للوهلة الأولى، يبدو الأمر تغييراً مفصلياً في السياسة الأمريكية، وبطبيعة الحال يترتّب على الجميع في العالم، ومنطقتنا على وجه الخصوص، التحضّر، والتحضير، لعصر الدبلوماسية القادم، وهذا ما حصل سريعاً، فخلع البعض بزّة ترامب “المموّهة” ليرتدي “طقم” بايدن الرسمي، بدءاً من ملوك ورؤساء وأولياء عهد وصولاً إلى سياسيين أوروبيين وعرب وأمريكان يريدون دوراً في المرحلة القادمة.
وللمفارقة الدالّة، كان “الجولاني” متزعم “جبهة النصرة” الإرهابية من أوائل الملتحقين بالركب الدبلوماسي الجديد، فظهر، في صورة حديثة، ببزّة رسمية “كشخصية متحضّرة”، علّ بايدن يضمّه إلى الفريق الدبلوماسي الذي يشكّله، كما ضمّه سابقاً “محارباً من أجل الحرية” – أو على الأقل صمت عن ضمّه – وهو نائب الرئيس في فريق أوباما القديم.
والحال، فإن ركب المنضمين إلى “الدبلوماسية القصوى” اشتمل أيضاً، وأولاً، على بعض الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين، وآخرهم، فيما يخص الشأن السوري، كان ويليام روباك، السفير الأمريكي والمبعوث السابق إلى شمال شرقي سورية بين 2018 و2019 – هل ستتغير هذه التسمية لأنها أيضاً من مرحلة الضغوط القصوى؟؟!! – الذي فنّد، في لقاء صحفي، مفردات سياسة “الضغوط القصوى” التي استخدمتها واشنطن لتحقيق أهدافها ضد دمشق عبر عدد من “الأوراق والأدوات”، مقسّماً إياها إلى “أدوات نفوذ” و”أدوات عرقلة”، و”أدوات ضغط”، وفيما شملت الأولى، بحسب روباك، الوجود الاحتلالي الأميركي قرب ثروات النفط والغاز وحدود العراق، ودعم العملاء المحليين و”العقوبات الاقتصادية ضد النظام” والتحالف الدولي ضد “داعش” الذي يوفر لبلاده منصة نفوذ دبلوماسية دولية، وأخيراً التأثير عبر الأمم المتحدة، وشملت الثانية “وقف أو تبطيء” جهود “التطبيع” “العربي” أو الأوروبي مع دمشق، و”وقف إعمار سورية ومساهمة دول عربية وأوروبية في ذلك، كانت “الغارات الإسرائيلية، و”الوجود” التركي في شمال غربي سورية مفردات القسم الثالث من “أوراق وأدوات” واشنطن المستخدمة ضد دمشق، بحسب روباك ذاته.
روباك هذا يطرح، في المقابلة ذاتها، جدوى هذه “الضغوط” عبر طرحه أسئلة “منطقية” من قبيل: “هل من مصلحة أميركا أن تبقى مناطق سورية خارج سيطرة الحكومة؟ هل من مصلحتنا أن تبقى هذه المناطق معزولة وينتعش فيها داعش؟ هل يجب أن نحافظ اليوم على أهدافنا ذاتها التي كانت قبل سنوات؟”.
هنا، وعلى عادة الدبلوماسيين، يقدم الرجل إجابة مراوغة عن هذه الأسئلة، ففيما يؤكد حاجة بلاده لـ “مراجعة متأنية” لسياستها اتجاه سورية، إلا أنه في الآن ذاته يدعم، ولو مرحلياً، “الاستمرار في الوضع الراهن” وما يسمـى بـ “الجمود الممدد”، مع الحفاظ على الوجود العسكري الاحتلالي لأنه “استثمار كبير بتكلفة قليلة غير ضاغطة على واشنطن” بحسب الرجل.
تلك مراوغة بيّنة لا تعبّر عن الرجل ذاته، بقدر ما تعبّر عن الحيرة الأمريكية في كيفية مواجهة “الحقائق الباردة” التي تؤكد هنا إن “الدبلوماسية القصوى” ليست صحوة ضمير متأخرة لحكام واشنطن، بل إنها، في مفردات الإمبراطورية، الوجه الآخر للضغوط القصوى، ولكنه الوجه الناعم. الوجه الواقعي الذي يعترف بهزيمة أسلوب وتوجّه محدّد، ويستعد في الآن ذاته لاستئناف الحرب بوسائل أخرى، وذلك مثلاً، وتحديداً، هو جوهر إعلان إدارة جو بايدن وقف الدعم الأميركي للحرب في اليمن، خاصة وأن “الرجل الذي أوقف الدعم هو نفسه من كان نائباً للرئيس في عهد الإدارة التي أُطلق العدوان برعايتها ودعمها”.
خلاصة القول، في العقل الامبراطوري – الذي يستعد لعالم ينتقل من التنافس إلى الصدام بين القوى العظمى – لا يعني القول بالدبلوماسية القصوى إلا “تبريد” ملفات معيّنة للتفرّغ لسواها، لكن هذا “التبريد” قد يكون أخطر وأعمق أثراً من “الضغوط القصوى”، والدليل انضمام “الجولاني”، وأمثاله المستترين إليه!! لذلك وجب التحذير والانتباه..