مجلة البعث الأسبوعية

استراتيجية طموحة.. رفع مساهمة المشروعات “الصغيرة” و”المتوسطة” في الناتج الوطني إلى 70%

“البعث الأسبوعية” ــ ديانا رسوق

يُعوّل على المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأن تكون قاطرة النمو الاقتصادي في سورية خلال السنوات العشرة المقبلة، نظراً لما قد تلعبه من دور مصيري في مضمار التنمية المستدامة من جهة، وتجاوز ما أحدثته سنوات الحرب من تأثيرات سلبية ليست بالقليلة على المناحي كافة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى. وبالتالي، فإن استعادة التعافي الاقتصادي وما يرتبط به من تعاف على المستوى المعيشي ومستوى الدخل والتقليل من معدلات الفقر وتخفيض نسب البطالة، وما إلى ذلك من مؤشرات، بما فيها تحقيق معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة، ستكون معتمدة بشكل أساسي على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي لم يحظ تاريخياً بالاهتمام الكافي من القوانين والتسهيلات الخاصة بهذه المشروعات، سواء في مجال الترخيص بما فيه المؤقت، أم في مجال التسهيلات الإدارية، أم في مجال التمويل، وما إلى ذلك، باستثناء بعض الشعارات وبعض النوايا التي كانت مطلقة في هذا الاتجاه..!

 

إحاطة بالمخاطر

ما سبق دعا مدير عام “هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة” إيهاب اسمندر إلى ضرورة وضع استراتيجية وطنية خاصة بهذا القطاع الذي يواجه العديد من المشاكل، وسوف يواجه مخاطر أكبر في السنوات المقبلة، مشيراً في حديث لـ “البعث الأسبوعية” إلى أن آثار الحرب ستظهر تباعاً, ولا يمكن الإحاطة بالمخاطر أو تلافيها أو تقليلها إلا من خلال استراتيجية واضحة تقرّ على جميع المستويات, فكل الطموحات المرتبطة بهذا القطاع – سواء لجهة تطوير المشروعات الناشئة أم لجهة تطوير ريادة الأعمال – ينبغي أن تكون ملحوظة بشكل أساسي بهذه الاستراتيجية، وأن تعتمد عليها وعلى طريقة إقرارها وتنفيذها، لافتاً إلى الرغبة بزيادة نسبة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالقطاع المنظم وتقليلها في قطاع الظل “غير المنظم” أيضاً، فهذه الخطوة لا يمكن أن تتم – حسب اسمندر – إلا بموجب استراتيجية واضحة.

 

محاور

وأشار اسمندر إلى أن الهيئة تعمل على وضع مسودة لاستراتيجية تتكون من محاور أساسية: محور يناقش الجانب التشريعي والقانوني، وآخر يتعلق بالجانب التنظيمي والإداري، وثالث يرتبط بالجانب الكمي والتأثيرات المزعمة خلال الفترة المقبلة، ورابع يرتبط بحشد التأييد ويتعلق بالوعي وتعامل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية حتى يعمل الجميع بروح واحدة، وذلك من خلال إعادة النظر بتعريف المشروعات والتعاطي مع المؤسسات التي يمكن تلعب دوراً داعماً في هذا الإطار، وآلية عمل هذه المؤسسات لتحقق ماهو مطلوب منها بشكل أفضل، إضافة إلى محاور أخرى معنية بتحليل الجانب التمويلي، كما سيكون هناك بند يتعلق بإعادة تأهيل قدرات الشباب ليتمكنوا من العمل في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب قضايا تتعلق بالتوجيه والإرشاد وبالبيئة الناظمة والحوكمة.

 

نحو تنمية متوازنة

وبين اسمندر أنه وعلى اعتبار أن هناك تركيز على العلاقة بين قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتنمية المحلية والمكانية في سورية، لإحداث تنمية متوازنة في عموم المناطق لتحقق هذه المشروعات التنمية المطلوبة منها، فإن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأمس الحاجة لهذه الاستراتيجية لتعديل الجانب التشريعي الذي تعمل ضمن إطاره، وتعديل الإطار التنظيمي بشكل عام لعمل هذا القطاع، كما أن هذه الاستراتيجية كفيلة بمنع تشتت الجهود، إذ أن هناك الكثير من الجهات التي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر تحت مسمى المشروعات الصغيرة والمتوسطة لكن جهودها مشتتة إلى حد ما, لذلك أما إذا استطعنا إقرار استراتيجية وطنية واضحة نكون قد وحدنا الجهود وقللنا التكاليف وزدنا القدرة على تحديد الأهداف التي يفترض أن تكون أهداف مشتركة بين الجهات المختلفة التي تعمل بهذا القطاع.

 

تكافؤ الفرص

وأوضح اسمندر أن هذه الاستراتيجية ستركز على إيجاد آلية لتكافؤ الفرص بين مختلف الداخلين إلى سوق المشروعات المتوسطة والصغيرة، وكيفية خدمة هذه المشروعات ببعض القضايا الاجتماعية العامة كرعاية المبدعين والمبتكرين وتطوير منظومة الإبداع والابتكار في سورية بشكل عام، ورعاية ذوي الإعاقة، والعمل على دراسة دمجهم بالمجتمع بشكل أفضل من خلال عمل مفيد لهم وللمجتمع، خاصة إذا ما علمنا أن هذه الاستراتيجية تهتم بتطوير برامج البحث العلمي سواء بالجامعات أم في غيرها، وتحسين بيئة الأعمال وكيف يمكن أن تنعكس هذه المشروعات على تطوير المناخ الاستثماري، فالاستراتيجية المرتقبة – وفق تعبير اسمندر – هي استراتيجية طموحة تحمل الكثير من التحليل الواقعي للاقتصاد السوري ولقطاع المشروعات بشكل أساسي وما يعول عليه من طموحات يمكن تحقيقها خلال السنوات المقبلة وآلية تحقيقها بشكل علمي ومدروس ينعكس بالضرورة على بناء اقتصاد قوي يضاهي الدول المتقدمة.

 

بلغة الأرقام

بلغة الأرقام بين مدير عام الهيئة أن الاستراتيجية ستعمل على مساهمة المشروعات من خلال زيادة اليد العاملة إلى حوالى 70% من قوة العمل ستعمل في هذا القطاع، في حين يعمل حالياً حوالى 57% من القوى العاملة، مع الإشارة إلى نسبة العمالة في الدول المتقدمة بهذا المجال تصل في اليابان إلى 84 %، وفي كوريا الجنوبية إلى 87%، وفي ماليزيا إلى 65%، ومعنى ذلك أن سورية بحاجة لزيادة ملحوظة للتشغيل أكثر بهذا القطاع وهذا يرتبط بالاستراتيجية التي تستهدف العمل على موضوع الوعي تجاه أهمية العمل في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة إذ أننا نفتقر لهذا الوعي، لأن ذلك الأمر يرتبط بالعديد من المؤثرات, كما وأن أحد العيوب الملموسة بسوق العمل السورية عدم التوافق بين مخرجات المؤسسات الأكاديمية مع متطلبات سوق العمل، أو أن قسم كبير من الباحثين عن عمل لا يمتلكون المهارات المطلوبة للحصول على عمل، وهذا الأمر ناجم عن عدم التوافق بين المعروض لدى سوق العمل والمهارات المطلوبة في سوق العمل، ما يقتضي بالضرورة وجود استراتيجية طارئة لردم هذه الفجوة، ووضع الآليات التي تمنع وجود كهذه الفجوة وتمنع تطورها, لأن تشخيص الموارد البشرية وتطويرها لتتلائم مع سوق العمل تحتاج لاستراتيجية ضمن هذا الإطار.

 

حسب الخطة

كما ستعمل هذه الاستراتيجية –وفقاً لاسمندر- على رفع مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالى 70%، مشيراً في هذا السياق إلى انخفاض مساهمتها حالياً إلى 41% بعد أن كانت ما يقارب الـ62% عام 2010، ما نجم عن ذلك من تراجع التكوين الرأس المالي الثابت في قطاع المشروعات، وتحويل 75% من الاقتصاد إلى اقتصاد منظم، كما وتستهدف الاستراتيجية أيضاً أن يكون حوالى 16% من قطاع المشروعات في المجال الزراعي، وحوالى 30% في قطاع الصناعة والبقية في القطاعات الخدمية وما إلى ذلك. منوهاً إلى أن 94% من الصادرات السورية غير النفطية ستكون منتجة في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة, كقطاع الصحة والسياحة وقطاع المصارف حسب الخطة الموضوعة بالاستراتيجية المرتقبة.

 

4% فقط..!.

لم يغفل اسمندر أبرز مشكلة تواجه هذا القطاع، والمتمثلة بالتمويل، مشيراً إلى أن حصته من التمويل في سورية لا تتجاوز الـ4% من إجمالي التسهيلات المصرفية، وبالتالي لا بد أن تلحظ الاستراتيجية هذه المشكلة وتعمل على معالجتها من خلال زيادة التواصل بين المؤسسات المصرفية والمالية وغير المصرفية التي تعمل في مجال تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.