“خلطات” سياسية مدمرة
أحمد حسن
مرة جديدة تعود صيغة “أستانا” للالتئام في “سوتشي” محمّلة، كالعادة، بوزر “الخطيئة المؤسسة”: وجود تركيا فيها. بالتزامن مع الاجتماع أقرّ مجلس النواب الأمريكي أول أمس تعديلاً جديداً على قانون “بلطجة” قديم لزيادة مآسي وعذابات السوريين.
سريعاً تضافرت الأدلة لتأكيد ما سبق. “التفسير” والتنفيذ المحلي للقانون الأمريكي جاء على شكل قيام “قسد” – القائمة بأعباء “العميل” شمال شرق سورية – بالاستيلاء بالقوة على المطاحن العامة في مدينتي القامشلي الحسكة ونهب محتوياتها.
“التفسير” والتنفيذ الإقليمي تكفّل به، كالعادة، “الإسرائيلي” منفّذاً عدواناً إجرامياً جديداً في محيط دمشق.
تركيا قدمت سلفاً ما يبرر وصفها بـ”الخطيئة المؤسسة” – ليس للجانب السوري فقط بل لشركاء “أستانا” ذاتهم – فقبل الاجتماع الجديد بأيام قليلة نشرت التلفزة التركية الحكومية، أي المحسوبة على أردوغان شخصياً، خارطة نفوذ تركيا عام 2050، وإذ بها تضم سورية كاملة ومعها معظم الأراضي العربية، وأكثر من ذلك، ضمت بعض أراضي الضامنين أنفسهم – روسيا مثلاً – الذين تتفق معهم أنقرة، كما تقول البيانات المشتركة، على “الالتزام القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها”..!!.
بالطبع لا يقلل من خطر “النشر” ودلالاته القول إن “الخارطة” المعنيّة هي من توقعات محلّل سياسي أمريكي، فتلك توقعات حصلت في العام 2009، وبالتالي فإن الإضاءة عليها تركياً، في هذا التوقيت، تعني الكثير، فكما يعرف الجميع يخطط السلطان الحالي (إذا أسعفه العمر..!!)، كي يبقى في السلطة حتى ذاك الوقت، وبعده إذا أمكن. تحقيقاً لهذه الرغبة، يسعى اليوم – وتركيا بأسرها تضج بذلك – إلى تغيير تحالفاته الداخلية، ومعها الدستور الحالي الذي غيّره سابقاً على قياسه الشخصي حينها. هذا يعني أنه جاهز لتغيير تحالفاته في الخارج في سبيل البقاء – لديه لهجة جديدة اتجاه أوروبا مثلاً- فكيف إذا كانت تحالفات هشّة ومصلحية على مثال صيغة “أستانا”؟؟!!.
بعيداً عن “أستانا” جغرافياً وقريباً منها سياسياً في الآن ذاته، أقر مجلس النواب الأميركي تعديلاً جديداً على قانون قديم يتضمن برنامج “المكافآت من أجل العدالة” بعد أن عدّله ليصبح مناسباً مع خطة زيادة الحصار على سورية، وعلى عادة الخبث الأمريكي جمع القانون المذكور بين من يستحق العقوبات، مثل بعض الجماعات الإرهابية، ومن لا تتعدى “جريمته” دفاعه عن القرار المستقل الذي يعتبر إرهاباً في نظر الخارجية الأمريكية، وهو جمع خبيث ومقصود بذاته ولذاته معاً.
المهم في الأمر أن “القانون” في جوهره، وبما يعنينا، ليس إلا استدراج عروض لتجنيد “مخبرين” عن محاولة السوريين التملص بأي طريقة كانت من عقوبات “قيصر وأخواته”، على أن تتم مكافأة هؤلاء “المخبرين بنسبة مئوية من الأموال التي يجري تجميدها بقرار من وزارة الخزانة”، أي من الأموال السورية المحتجزة لديهم إن وجدت..!!، وتلك سرقة علنية مزدوجة، ولتبريرها تقول واشنطن إن الهدف من القانون “هو منع فرض العقوبات على الشعب السوري”..!!.
بالتأكيد تلك “خلطة” لا تستطيع سوى واشنطن ابتداعها. أيضاً لا يستطيع سوى أتباعها تصديقها. ويبدو أنهم كثر، بل وبينهم، سوريون، طالبوا واشنطن، باسم السوريين كما قالوا، بعدم رفع العقوبات عنهم..!!. “الخلطة” ذاتها تحصل في “أستانا”، فكيف ستنفذ تركيا “الالتزام القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها”، وكيف ستساهم في “إعادة مد جسور الثقة بين السوريين بمختلف توجهاتهم ودون تدخلات خارجية”، كما يريد الضامنون من الاجتماع، وهي التي تخطط لـ”مدّ” حدودها الجغرافية، وليس السياسية فقط، إلى أراضيهم ذاتها؟؟!!.
في السياسة، تلك “خلطات” مفهومة ومبرّرة نوعاً ما، سواء بالواقع الدولي المعقّد أو بموازين القوى العالمية في مرحلة محدّدة، لكن غض النظر عن تبعاتها المستقبلية قد يساهم في تفاقم الأوضاع باتجاهات غير محسوبة بحيث تصبح كلفة مواجهتها أكبر وأثقل.. ذلك هو التاريخ وتلك هي دروسه، لكن .. ما أكثر العبر وأقل الاعتبار..