أطباء المحافظة هجروها بلا عودة ولا أخصائيين.. والحلول بالانتظار!! عندما تجمعت مشافي دير الزور في مشفى الأسد وتحولت المنازل الريفية إلى مراكز صحية
“البعث الأسبوعية” ــ وائل حميدي
لعل أكثر الحقائق وضوحاً في القطاع الصحي بمحافظة دير الزور هو وجود مشفى واحدة فقط في المحافظة تحاول النهوص بالمهام الطبية المطلوبة منها، وضمن ظروف وتفاصيل كثيرة، لتنجح بتقديم ما أمكنها تقديمه، فيما بقيت تفاصيل أخرى عصيَّةَ على الحل رغم تدخُّل الوزارة لتجاوزها.
والحديث عن القطاع الصحي في دير الزور يطول جداً، إذا ماعلمنا أن مشافي المحافظة كافة خرجت عن الخدمة بفعل الإرهاب الذي طال بحقده هذا القطاع الهام، حتى بدت تلك المشافي وغالبية المراكز الصحية أنقاضاً وأطلالاً بعدما كانت تضجُّ بالعمل.
الحقيقة الأكيدة هي وجود مشفى الأسد فقط في المدينة التي عانت من الحصار الداعشي، ما انعكس على صلاحية الأجهزة الطبية، وعدد الكوادر التي لم يبق منها الكثير خلال سنوات الحصار الثلاث، وهي سنوات العتمة والظُلمة التي فُقِدت فيها الكهرباء تماماً، وصعُب تأمين الوقود لتشغيل المولدات الخاصة بالمشفى، وكان من شبه المستحيل وصول تجهيزات طبية، أو قطع غيار لعمليات الصيانة، مع ما قام به المسلحون من قطع الطريق الواصلة إلى العاصمة، لتختبر تلك الأجهزة حالة فنية مُتعَبة بعد كسر الحصار عن المدينة؛ وفي تلك المرحلة، وبسبب تدمير مشافي المدينة، تم دمج مشافي المحافظة كلها ضمن بناء مشفى الأسد ليكون لمشافي “الوطني”، و”الأطفال”، و”الفرات”، أجنحة خاصة بها في مشفى الأسد، وضمن الحدود المعقولة من التجهيزات الطبية؛ ومن هنا حقيقة أن مشفى واحدة عاملة ضمَّت – اضطرارياً – باقي المشافي التي طالها الدمار كلياً.
مع تحرير المحافظة في الربع الأخير من العام ٢٠١٧، بدت مهام إعادة تأهيل القطاع الصحي كبيرة وصعبة جداً، سيما وأن الإرهاب لم يوفِّر جُهداً لسرقة كامل محتويات المشافي في المحافظة، وعلى مستويي الريف والمدينة، ليتبعه بعدها بتدمير تلك المشافي والمراكز. ومن هنا، كان على قيادة المحافظة ووزارة الصحة فتح جبهات عمل كثيرة لإعادة القطاع إلى سابق عهده، ضمن خطط وزارية ودراسات كثيرة، وبالتنسيق مع مديرية صحة دير الزور، فكانت بداية العودة منحصرة بالحدود الدنيا لعودة العمل في القطاع، وما لبثت أن تطورت نحو استكمال كل ما يمكن استكماله، وهذه المسيرة – وإن بدأت – فإنها ما تزال مستمرة، وما زال أمامها الكثير.
مدير صحة دير الزور، الدكتور بشار شعيبي، وفي حديث مطَّول مع “البعث الأسبوعية”، أفرد واقع القطاع الصحي وتفاصيله الكثيرة التي بدت ناجحة في ما يخص عودة الحياة إلى القطاع، ثم بدت عاجزة عن تقديم الحلول في ما يخص الكوادر الطبية والأطباء الاختصاصيين.
يقول الشعيبي: إن جميع المراكز الصحية، والبالغ عددها ١٠٦ مراكز، خرجت من الخدمة بعدما تعرَّضت للسرقة والتخريب باستثناء أربعة منها بقيت ضمن المناطق الآمنة، مطلع عام ٢٠١٥، ثم آلت غالبيتها إلى الدمار، ما اضطرنا – في المراحل الأولى – إلى اللجوء أحياناً لاتخاذ بعض المنازل مراكز صحية في أرياف المحافظة، وضمن الحد المقبول من التجهيز، لحين الانتهاء من ترميم المركز الرئيسي، والحديث – هنا – عن الريف، وليس عن المدينة التي بقيت فيها أربعة مراكز عاملة لم تتعرض للتخريب، كونها ضمن الحدود الآمنة التي لم تخرج عن السيطرة.
وبالتالي، فإن من أولويات عملنا – والكلام للشعيبي – كان إعادة ترميم وتجهيز المراكز الطبية، إضافة لإنشاء مركز صحي في ناحية مظلوم، وآخر في قرية السويعية. وبالفعل، وبالتنسيق مع الأهالي، تم اتخاذ خمسة منازل خاصة كمقرات للمراكز الصحية البديلة عن المدمَّرة، وتقع في كل من السويعية التي تجري حالياً إشادة مركز صحي فيها، والبوليل، وبقرص، والشميطية، وأخيراً مظلوم؛ وبهذا يكون عدد المراكز الصحية التي عادت للعمل ٣٦ مركزاً، من أصل مجموعها الكلي، وهو ١٠٦ مراكز.. والخطة الوزارية في إعادة تأهيل ما تبقى قيد التنفيذ، ومؤخراً تم إنشاء نقطة طبية على المركز الحدودي ستوضع في الخدمة قريباً.
ويُضيف الشعيبي بأن مديرية الصحة عانت – كباقي القطاعات – من التخريب الإرهابي للمنشآت والآليات، وحالياً يتم العمل على تأهيل المنشآت الصحية بالتنسيق مع الوزارة لسد النقص عن طريق تقديم العيادات المتنقلة، والتي بلغ عددها، لغاية اليوم، خمس، وتم تزويدنا بخمس سيارات إسعاف، إضافة لعربة جراحية تعد بمثابة مشفى “نسائية” متنقلة.
مشافٍ جديدة
يقول الشعيبي: بعد تحرير المحافظة حرصت الوزارة على تزويدنا بما يلزم من صيانة للتجهيزات الطبية التي تعثَّرت صيانتها خلال سنوات الحصار، أو التي تمَّت صيانتها ضمن الحدود الدنيا، ووفق الإمكانات المتاحة، خلال تلك السنوات الثلاث. وعلى الرغم من النقص الشديد في الكادر الطبي، إلا أن أعمال تأهيل وإحداث مشافٍ جديدة دخل حيز التنفيذ، حيث تم توقيع عقود مع الشركة العامة للدراسات الهندسية لدراسة المشاريع الاستراتيجية لمديرية صحة دير الزور، وإعطاء الأولوية لمشفى الباسل في مدينة البوكمال، ومشفى الطب الحديث في مدينة الميادين، إضافة لمشفى الأطفال في مدينة دير الزور، حيث تُشير مراسلاتنا مع الشركة العامة للدراسات إلى إنجاز مرحلة جيدة من دراسات المشافي الثلاث، ومن المتوقع البدء بأعمال التأهيل بشكل جزئي قبل نهاية العام ٢٠٢٠؛ وستكون المرحلة الأولى إعادة تأهيل جزئية لتكون مشافٍ إسعافية ريثما يتم استكمال التأهيل، وإذا كانت المدينة تعاني من نقص شديد في الكوادر الطبية فإن العام القادم لابد وأن يشهد طريقة لتجاوز هذه المعاناة، ما يعني استمرارنا بتأهيل المشافي التي يُفترض أن يتم تزويدها بالأطباء.
الكادر إلى الثلث
يؤكد الشعيبي أن أكثر ما تعانيه المديرية هو النقص الشديد في الكادرين الإداري والطبي، وإذا كانت الحلول متاحة لتجاوز نقص الكادر الإداري فإن نقص الكوادر الطبية يعدُّ مشكلة لابد من تداركها، وهذا ما وضعته الوزارة في أولويات عملها التي – ربما – ستشهد تغيُّراً مطلع العام القادم.
ومثلاً، بلغ عدد الكادر الطبي والإداري قبل الحرب تسعة آلاف، واليوم لا يصل العدد إلى ثلاثة آلاف، والمعاناة من نقص الأطباء تعد مشكلة عصَّية الحل، وذلك بسبب إحجام الأطباء الأخصَّائيين الموجودين في دير الزور عن التعاقد مع مديرية الصحة، وأكثر ما تبرز هذه المعاناة في مدينة البوكمال؛ وما زاد من هذه المشكلة أن الأطباء الاختصاصيين من أبناء المحافظة ما زالوا يرفضون العودة إليها، وهذا – لوحده – ضاعف من مشكلة حاجة المحافظة الماسَّة للأطبَّاء الاختصاصيين.
أرقام صادمة
“البعث الأسبوعية” واجهت مدير صحة دير الزور ببعض الأرقام الخاصة بالكوادر الاختصاصية، وأهمها عدم وجود أي طبيب عصبية، أو طبيب داخلية.. الحال ذاته مع عدم توفر أي طبيب من اختصاص الجرَّاحة العصبية، وعدم وجود أي طبيب من اختصاص جراحة الأوعية، مع ما يقابل هذا الواقع من وجود طبيب أخصَّائي وحيد لبعض الاختصاصات الأخرى، وهو ما يجعل المديرية في واجهة السؤال عن الحلول التي تملكها، أو تملكها الوزارة، أمام هذا الواقع غير المعقول، والذي يستحيل فيه تقديم كامل الخدمات في العيادات المفتتحة في المشفى!!
يقول الشعيبي: إن الأسباب السابقة قادت إلى واقع حاجة المحافظة الماسة لبعض الأطباء من اختصاصات معينة، وما زاد من المشكلة هو إحجام الأطباء المقيمين عن التقدم للمفاضلات لصالح مديرية صحة دير الزور، وهذا أيضاً أدى إلى نقص شديد في عدد الأطباء المقيمين الذين تقوم غالبية أعمال تشخيص المرضى والمراجعين عليهم؛ ومؤخراً أعلنت الوزارة، ولأكثر من مرة، عن مفاضلة ترميمية، ومع ذلك لم يتقدم العدد الكافي من الاختصاصات التي تحتاجها المديرية، ما حدا بالوزارة إلى اللجوء إلى ما يسمَّى “سنة الامتياز”، وفحواها إلزام المتخرجين من كلية الطب بالدوام لعام كامل في المشافي، وفي هذا الإجراء ما يمكٍّننا من سد ثغرة نقص الأطباء المقيمين حال تطبيقه، والذي سينتج عنه فرز العدد الكافي لمحافظة دير الزور من طلبتها المتخرجين، وحينها يمكن الحديث عن منطقية عملنا الحالي في إعادة تأهيل مشافي المحافظة.
ماذا عن جائحة كورونا؟
يوماً ما، وخلال سنوات الحصار ما بين عام ٢٠١٥ ونهاية عام ٢٠١٧، تمكَّن بعض المسلحين في تنظيم “داعش” من التسلل ليلاً إلى الطابق الرابع في بناء مشفى الأسد، الواقع عند مدخل المدينة الجنوبي، على طريق تدمر دير الزور.. حينها تمكَّن جيشنا الباسل، وخلال ساعات، من القضاء عليهم جميعاً، بعدما تجمَّعوا في أحد الأجنحة خلال تنقلهم في الطابق، وإحداث الخراب الكامل في محتوياته. بعد سنوات، كان على المديرية، وبالتنسيق مع المعنيين، أن تعود إلى المكان، والعمل على إعادة تأهيله، وبالطريقة المناسبة التي تجعل منه مركز عزل وحجر صحي للمشتبه بإصابتهم بجائحة كورونا.. قررت الوزارة تأهيل الطابق، بما يتناسب ليكون مركز عزل وحجر يتَّسع لخمسين سريراً تم وضعها في الخدمة منذ بداية ظهور جائحة كورونا، وتم تقسيمها مناصفة بين أسِرَّة عزل وأسَرَّة حجر. ومع التحسُّب لاحتمالية انفجار الجائحة وارتفاع أعدادها في المحافظة، قامت المديرية بتأهيل الدور الثالث ليتَّسع لخمسين سريراً إضافية بعدما تم تزويد الدور المذكور بالأجهزة المتاحة والأثاث اللازم، وبهذا تكون المديرية على استعداد تام للتعامل مع أي ظروف مستجدة خاصة بالجائحة، بعدما تمَّت صيانة وتأهيل تسعة أجهزة تنفُّس آلي لصالح قسم العزل بالتنسيق مع المكتب الهندسي في الوزارة.. وهنا لابد من الإشارة إلى تأثُّر البلاد بالحصار الاقتصادي الذي انعكس على توفر التجهيزات المطلوبة.