منحوتات وأشجار لا تستريح
حلب – غالية خوجة
تشتهرُ سورية بحضور الفن في كل مكان، ومنها حلب التي كانت تفرح بمنحوتاتها في الحدائق والساحات والأماكن العامة الأخرى، وصارت الآن تحتضن، وبكل فخر، صور الشهداء، ولوحات إعادة الإعمار، ولوحات الدعوات لإعادة البناء والاخضرار معاً، كطاقة إيجابية تدعونا إلى المحبة من أجل التعاون والتضافر والقبض على المستقبل القريب والبعيد. وهناك، في حديقة حلب العتيقة، تتأملك الأشجار والأعشاب والجذوع التي على وشك التفتّق بأغصان خضراء صغيرة متحدية دمارهم الإرهابي، بينما تنتظر الأزهار عبور الفراشات البيضاء والملوّنة.
هناك، وكلما تأمّلتَ ببصر وبصيرة، سمعت ابتهالات ودعوات ترتفع من التربة إلى السماء: “سورية الله حاميها”. وكلما حدّقتَ في التاريخ أكثر، حكتْ لك الجذوع والجذور عن الأجداد والجدات، وكيف تحدّت الأجيال كل احتلال واستعمار وإرهاب، وانتصرت كما المنحوتات الفنية المتوزعة في الحديقة وكليات الجامعة والشوارع.
ما تبقّى من المنحوتات يستغيث لتلتفتَ إليه، لعلك تسمع صمته، ودعواته، وكلامه الذي تنشره النسمات الخريفية بين المباني والأشجار. لعلك صادفتَ منحوتة ما، تنظر إليك لتتعاطف معها، فتزيح عنها تعب الحرب، وجراح الفقد والاغتراب والأوساخ المحيطة بها من كل صوب. ولعلك، وفي زحمة انشغالك اليومي، انتبهت إلى اللوحات الإعلانية المتوزعة في كل مكان، لتشجعك على الحفاظ على بيئة نظيفة، لتبعد عنك الأمراض في زمن “كورونا”، وهي تخاطبك بشفافية: “لطفاً، تقيد بمواعيد رمي القمامة، لطفاً، ضعها في مكانها”.
تخرج الكلمات من لوحات الإعلانات وتطاردك، فتنتبه إلى عمال النظافة وهم يكدحون من أجل الإبقاء على بيئة حلبية نظيفة ترفض التلوث القبيح، فتخجل من نفسك عندما تهمّ برمي الأوساخ في الهواء، وتخاطب روحك: “النظافة من الإيمان”، و”حب الوطن من الإيمان”، ثم، تقترب من أقرب حاوية وترمي الأوساخ، وتمضي وأنت سعيد لأنك كنتَ إيجابياً مع ذاتك والمجتمع ومدينتك. وما إن تصل إلى بيتك، أو عملك، حتى تسمع أصواتاً متناغمة، طالعة من أشجار الحديقة والشوارع، من المنحوتات المتوزعة في الأماكن، وهي تقول لك: “شكراً.. معاً لبيئة نظيفة”.
من لحظتها، وأنت تشعر براحة مضافة للضمير، لأنك ساهمت في جزء من البناء الحضاري المنظور واللا منظور، وقرّرت الالتفات إلى الجمال الرافض لكل قبح من سلوكياتنا، من لحظتها، وأنت تطلب من أبنائك الحفاظ على النظافة في كل مكان، في البيت، والمدرسة، والجامعة، والحديقة، والشارع، مؤكداً: المدينة وطن، والوطن بيتنا الكبير، فلا بد من أن يتعطّر بالنظافة، والفراشات، والهواء النقي، والجمال البيئي والروحي.