ماذا بين ثقافة الارتقاء الاجتماعي المنطقي والرقي المناطقي؟
حلب ـ غالية خوجة
ليكون الإنسان حضارياً لا يعني أن يسكن في المدينة أو الريف، كما لا يعني أن يقيم في قصور وفيلاّت، لأن مفهوم الحضارة يشمل القيم الإنسانية عبْر الزمان والمكان، والبصمة الروحية التي يتركها المجتمع والفرد على الأرض، في زمان ما، لتستمر في الأزمنة اللاحقة، وهذا يبرز نافراً من خلال الكلمة الطيبة والفعل الطيب، لذلك الإنسان الراقي هو الأساس لا المكان الذي يقطن فيه فقط، ولربما للمكان تأثيراته تبعاً لمدى التأثير العقلي ومنطقيته التي يتسع فضاؤها لتقبض على المضيء من البيئة الاجتماعية لا المعتم، ومدى فاعلية العقل المضيء وتأثيراته على البيئة والمكان والمجتمع والزمان سواء من خلال المنطقة المصنّفة إدارياً راقية، أو شعبية.
التربية أبجدية لشريط المورثات
ولهذه الأسباب وغيرها، لا يمكن للمال أن يصنع إنساناً حضارياً حتى لو كان بيته على القمر أو المريخ، ولذلك، وعبْر الأزمنة، أكّد علماء النفس والمجتمع والفلاسفة على ضرورة تربية الإنسان قبل ولادته بمائة عام على الأقل، وعندما سمع الحاضرون هذا الكلام من أحد الفلاسفة القدماء، سألوه بتعجب شديد: كيف؟! فأجاب: من خلال تربية أبويه مهما علوَا.
وهذا ما يؤكد عليه العلْم أيضاً من خلال المورثات الجينية ـ الصبغية (DNA)، والتي أكّد عليها نبيّ الناس كافة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: “تخيّروا لنطفكم فإن العرق دساس”، وهي تمنح حق الاختيار للمذكر والمؤنث.
كيف تتناغم منظومة السلوك الإيجابي؟
وحول هذه التحولات الاجتماعية المتسارعة على الصعيد المكاني في وطننا الحبيب، والصعيد الزماني نتيجة الحرب الظلامية والحصار والانتصار، وحول التحولات الاجتماعية السابقة لآبائنا وآبائهم الذين أنجبوا إنساناً متحضراً كظاهرة بدأت بالانحسار المتسارع في هذا الزمان المعتم، تساءلت “البعث”، فأجابنا الكاتب الإعلامي حميدي هلال أمين تحرير جريدة الجماهير الحلبية: الرقي مرتبط بالإنسان، والإنسان مرتبط بالتربية، والتربية أخلاق وثقافة وسلوك إيجابي، وهذه المنظومة تؤثر على البيئة وتتأثر بها بشكل مباشر. وفي سنوات الأزمة حدث تغيير ديموغرافي طارئ، نتيجة النزوح الداخلي من المناطق العشوائية، بسبب الإرهاب، إلى المناطق المعتبرة راقية، وهذا يجعلني إذا ما نظرت من نافذة مكتبي أن أرى أحدهم يكشّ الحمام، وهو مشهد طارئ لم يكن موجوداً سابقاً. وأضاف: وعلى صعيد النظافة، افتقدت غالبية سكان المدينة لهذه الظاهرة، وهذا مشهد غير مدني ولا صحي، وبشكل عام، الإنسان مسؤول عن الرقي بذاته وبيئته ومجتمعه ومدينته، وبلا شك، للمنطقة دورها، لأن الساكن فيها سيتأثر ويؤثر بشكل ما، فالعشوائية ستؤثر سلباً، وتُكسب اللا مبالاة، وتساهم في التراجع التعليمي.
لكن، كيف نغرس الإيجابية لتنمو حتى في البيئة العشوائية؟ ردّ هلال: المعاناة أسروية واجتماعية، ولا بد من أن تتضافر جهود الجميع، فقديماً، كان للأسرة دورها التكاملي مع المدرسة، و”التربية” تسبق “التعليم”، ولا بد من إعادة التكامل بين الأسرة والمدرسة، لأن مسؤولية بناء الإنسان التي ستبني الزمان هي مسؤولية متكاملة، وأقترح إصلاحاً متكاملاً للأسرة لتعي دورها الهام، وللمدرسة وكادرها التعليمي ودورها في الإشراف التربوي، والذي نجده متوافراً، وبشكله الصارم، في بعض المدارس. وفي الواقع، نرى، حالياً، أن البيئة المحيطة هي المدرسة الأكبر، لأن الطفل يتأثر بها أسرع من تأثره بأسرته ومدرسته، كما أن التربية لا تُعلّم بالمعاهد، بل تأتي نتيجة أثر تراكمي انطلاقاً من الأسرة إلى الشارع فالمنطقة فالمدينة، وألفت إلى ان المؤسسات المجتمعية المختلفة والمتنوعة تحتاج إلى دور فعّال، وكيفية حداثيّة معاصرة في هذا المجال، لخلْق منظومة تربوية اجتماعية ثقافية متناغمة إيجابياً.
احترام الإنسان والقانون
ورأى محمد زكور ـ خريج إدارة واقتصاد أن مجتمعنا تأسره المظاهر، ويفتقد إلى الوعي، وتحكم معتقداته الأموال، لأن الكثير من المناطق الراقية ليست براقية إنسانياً واجتماعياً، فالسكان يفتقدون لثقافة المجتمع الحضارية، لأن من الواجب احترام الإنسان بكيانه ووجوده، لا بما يمتلك وفي أية منطقة يسكن. وضرب لنا مثلاً: هناك الكثير من سائقات وسائقي السيارات “المفيّمة” يتجاوزون قانون السير ومن يسير في الشارع راكباً أو راجلاً، وهذا لا يدل على أنهن وأنهم راقيات وراقين، لأن السلوك الذي لا يحترم الإنسان والقانون ليس راقياً بكل تأكيد، ولا شعبياً بكل تأكيد.
التربية أساس الرقي
بدورها، أكدت الإعلامية غالية صرماياتي ـ مدير تحرير صحيفة عكس الاتجاه نيوز الإلكترونية أن الرقي يرتبط بالتربية 90%، لأن الأم تزرع الرقي في أعماق طفلها، مؤنثاً أو مذكراً، باللا شعور، من خلال تعاملها معه، وأمامه، مع محيطهم الأسري والمجتمعي، وهذا ينطبق على الأب أيضاً. وعندما يصبح ذاك الطفل شاباً، أو شابة، يتصرف تلقائياً، ودون تفكير، أو تردد، بالتصرفات ذاتها التي شاهد والديه يفعلانها، والخلاصة: التربية هي أساس الرقي.