مجلة البعث الأسبوعية

كيف يمكننا إقناع طفل الأزمة أن مشاكله ستحل بعصا سحرية ومارد يخرج من المصباح؟! بوادقجي: “شامة” تحتاج إلى كاتب يجيد التكثيف ويمتلك قدرة الساحر المدهش في اختلاق الأفكار الهادفة!!

“البعث الأسبوعية” ــ هديل فيزو

الحكاية التي تبدأ منذ الصّغر لا تنتهي، بل تمتدّ العمر كلّه، تكبر في الطّفل ومعه، ترسم الأفق الملون لأحلامه التي تعيش داخله حتى تتجسّد حقيقة كاملة؛ ومع كلّ حكاية تُروى، هناك كون مختلف يبني فيه الطفل بيته الذي قد يبدو للوهلة الأولى صغيراً، لكنّه أكثر رحابة من كل بيوت الدنيا، يشيّده بالأمنية والحب، ويضيئه بأشعة نورانية تستمد وهجها من شمس الحكاية.

هي ليست دعوة لإحياء عصر الحكايات فحسب، إنّما للتبصّر بجدواها وإدراك أهميتها أيضاً، ومدى قدرتها على التأثير في الطفل، وخلق عوالمه التي ينطلق منها لعوالم أكثر اتساعاً وواقعية؛ ورغم أن الطفل يحتاج لأعوام ليصبح قادراً على القراءة والتعرف على الحكايات، إلا أنه قادر على التفاعل معها في سنوات عمره الأولى، ما يجعل الحكاية، المرويّة أولاً، ثم المكتوبة، حاجة مهمة جداً لاكتمال تكوينه، فالقصة بخيالها اللامحدود، وبتصويرها الواقع أيضاً، بجماله وقبحه وخيره وشره، تخلق الاستقرار النفسي والتوازن الفكري الضروري للطفل في رحلته الحياتية.

في محاولة للدخول في عوالم الحكاية، واستجلاء أهميتها في بناء عوالم الطفل، وأثرها في تكوينه النفسي والسلوكي، ومدى قدرة المؤلفات الموجهة لطفل الأزمة على ترك الأثر المراد، كان هذا الحوار مع الأديبة أريج بوادقجي، كاتبة القصة للأطفال، ورئيسة تحرير مجلة “شامة”.

 

كيف يمكن للحكاية أن تكون مؤثراً حقيقياً في البناء النفسي والسلوكي للطفل؟

الحكايات بملامستها لواقع الطفل، وحياته اليومية، بطريقةٍ أو بأخرى، تمنح الطفلَ شعوراً بالأمان، فهو ليس الشخص الوحيد في هذا الكوكب الذي يعاني من مشكلةٍ ما، أما الخيال فيمنحه الدهشة، وبالتالي الإبداع؛ كذلك تساعده الحكايات على التغلب على مشاكله النفسية، كالخوفِ والقلق والخجل والإحباط، والتخلص من مكبوتاته النفسية، فالقصة التفاعلية تمنح الطفل فرصة للتفريغ النفسي الانفعاليّ دون أن يشعر، وأجد من الضرورة أن تكون قراءة القصة طقساً يوميّاً في العائلة.

 

الطفل الذي يقرأ يختلف عن الطفل الذي لا يقرأ.. لنتحدث عن هذا الجانب!

القراءة هي المحرّك الأساسي للفكر، ودون القراءة لا نستطيع أن نبني أيّ تراكمٍ معرفيّ أو اجتماعي أو سلوكيّ، وبالتالي لن نستطيع بناء طفل متوازنٍ اليوم، ولا إنساناً فاعلاً إيجابياً للمستقبل. الطفل القارئ يلجأ للقراءة لإرضاء شغفه، والشغفُ يخلق شغفاً آخر، وبالتالي سيكون لدينا طفل طموح، دائمُ التفكير بما يمكن أن يكون، معارفه كثيرة، تساؤلاتُه كثيرة، مخزونه اللغويّ دائِمُ التطوّر، لديه حلول، مُبادر، لديه ثقة بالنفس وشعور بالذات، وبالتالي فهو متفوّق دراسيّاً، والقراءة لا تمثّل له عبئاً إضافياً، بل هي متعة وجزء لا يتجزأ من يومياته؛ أما الطفل غير القارئ فهو على العكس من ذلك، تجده مُشتّتاً، لا هدفَ لديه، دائم التململ، يشعرُ بالضياع، وعدم القدرة على الانسجام مع المجتمع وإيجاد نفسه، وبذلك إما يلجأ إلى التصرفات العدوانية أو إلى الانزواء والوحدة.

 

الطفل السوري عاش الحرب وشهد الكثير من المآسي.. كيف يمكن للحكاية أن تشكل تعويضاً نفسياً وفكرياً وجمالياً له؟

الطفل السوري عاش وترعرع في ظل الأزمات، الأمر الذي يتطلب الوعي والدراية والدقة في طريقة التوجه إليه، خاصة في مجال عدم الانزياح التربوي، وأن تكون النصوص مدروسة بشكل جيد، وتبتعد عن العنف بكل أشكاله، إن كان بالفكرة أو الرسوم، واللجوء للتفريغ النفسي الاجتماعي من خلال النصوص المفتوحة، والنهايات المفتوحة، والحوارات المفتوحة على الآخر.. كل ذلك يشكل نوعاً من أنواع التفريغ النفسي الاجتماعي للطفل، إضافة للتعويض التربوي العاطفي من خلال النصوص والرسوم. يجب أن يكون هناك مسؤولية في التعامل مع أطفال الأزمة، فليس كل كاتب قادر على التعاطي مع الأطفال، وخاصة مع احتياجاتهم الخاصة في ظل الظروف التي عاشوها، والتي ينبغي التعاطي معها بالطرق السليمة.

 

هل هناك قصص للطفل عن الحرب وكيف تتعامل القصص مع هذا النوع من المعاناة؟

نبتعد عن ذكر الحرب نهائياً في قصص الأطفال، ونحاول التعامل مع نفسياتهم ووضعهم الحالي في ظل الحرب، ونسعى، من خلال القصة، لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي بما يتناسب مع الواقع الصعب الذي عاشوه..

 

كيف تحققون معادلة التوازن بين الخيال والواقع في قصص الأطفال دون أن يكون هذا الخيال مدعاة للاتكال على الحظ؟

الخيال الذي يجنح نحو السحر هو أمر مرفوض تماماً، كيف يمكننا إقناع طفل الأزمة أن مشاكله ستحل بعصا سحرية ومارد يخرج من المصباح؟! الخيال يتم توظيفه بما يتناسب مع البناء الفني للنص دون إقحام، وبما يخدم الفكرة التربوية والإبداعية.

 

ما هو الهدف الذي تسعون إليه عبر إنجاز قصة تخص الطفل، سواء من خلال “شامة” أو من خلال القصص الأخرى الموجهة لمختلف المراحل العمرية؟

مجلة “شامة” صادرة عن وزارة الثقافة – الهيئة السورية للكتاب، وهي متخصصة بالشريحة العمرية المبكرة، الأطفال ما بين 4 إلى 8 سنوات من العمر، وهذه الشريحة هي الأكثر أهمية والأكثر حراجة وإلحاحاً في التوجه إليها، فإن قلنا “ليس كل كاتب قادراً على الكتابة للأطفال”، فليس كل كاتب أطفال قادراً على الكتابة للطفولة المبكرة. وهذه الشريحة لا تحتمل السرد الطويل، ولا تحتمل الإطناب والشطط، بل تحتاج إلى كاتب بارع مثقف قادر على التكثيف، ويمتلك قدرة الساحر المدهش في اختلاق الأفكار الإبداعية الهادفة، ولعل هذا الأمر هو من إحدى الصعوبات التي تواجه المجلة حالياً، فالطفل في هذه المرحلة لا يحتمل المفاهيم المجردة، بل يحتاج إلى موضوعٍ إبداعيّ محدد، وفق قالب غير تقليدي وبأسلوب قصصي مدهش، حتى لو كان هذا النص شعراً.

أما أهدافنا فهي كثيرة، منها تنمية الطفل معرفياً من خلال تقديم معلومات ومعارف جديدة تنمي عنده الرغبة في التعلم والاكتشاف، وهنالك أهداف لغوية بهدف تطوير القاموس اللغوي لدى الطفل، بالإضافة إلى أهداف سلوكية، ومنحه بشكل غير مباشر لمحة عن مهارات الحياة بأسلوب تربويّ شائق.

 

لنتحدث عن الخطوات التي تمرّ بها قصص الأطفال ومدى مراعاة التّقنيات السّردية الخاصة للقصّة الموجّهة للطفل؟

تمرّ القصة حتى تنشر بعدة مراحل، أولها الفكرة بأن تكون إبداعية مدهشة وتناسب الشريحة العمرية المستهدفة، الحدث والأسلوب والحوارات كلها يجب أن تكون غير تقليدية مدهشة وتفاعلية، حتى تجذب الطفل، كذلك الرسوم، يجب اختيار الرسام المناسب لرسم كل قصة، فلكل رسام أسلوبه وجوّه الخاص، وعلى الرسوم ألا تكون ترجمة حرفيّة للنص، بل يجب أن تعطي للنص بعداً إبداعياً آخر، الطفل يجد نفسه في النص بطريقة أو بأخرى من خلال أسماء الأطفال وبيوتهم وبيئتهم كلها مستمدة من البيئة.

 

كيف تحرصون على تواجد الكتاب في كل بيت وفي متناول كل طالب مدرسة؟

نحرص على وجود المجلة في كل بيت سوري.. قبل أزمة كورونا كنا نحرص على وجودنا مع الأطفال في المراكز الثقافية والمدارس والحدائق، نحاول أن نكون بينهم ومعهم.. كورونا قيدت حركتنا، ما دفعنا لتحفيز استخدام الانترنت بشكل مفيد، فأطلقنا مبادرة “صديقتي شامة” التي تسعى لتحفيزهم على ممارسة هواياتهم ومشاركتها من خلال الفيديوهات على الصفحة، وقد انضمّ للمبادرة مجموعة من الفنانين والأدباء الذي راحوا يطبقون بعض التمرينات الفنية، والكُتّاب الذين راحوا يقرؤون قصصهم بشكل تفاعلي من خلال البث المباشر، كان هناك تفاعل جميل جداً في سورية والوطن العربي..

 

هل هناك إقبال على كتاب الطفل الإلكتروني.. وأيهما تفضلين: القصة الورقية أم الإلكترونية؟

المحاولات مستمرة للتواجد مع الطفل في كل الأحوال، سواء من خلال الكتاب الورقي أو الإلكتروني، مع الأمل بالطباعة الورقية لـ “شامة” بأقرب وقت ممكن، لأن الطفل يحب الكتاب الورقي، فهو يحب أن يلمس الكلمة واللون والشكل، وأن يتفاعل مع الورق بشكل أكبر، الكتاب الإلكتروني يفيد مع الإصرار على أن الكتاب الورقي هو الأساس.

 

كيف تتواصلون مع الطفل، وما أهمية تفعيل دوره في التقييم والاختيار واتخاذه بوصلة في أعمالكم الموجهة إليه؟

هناك مشكلة في التواصل مع الأطفال، تبدأ مع التربية الاجتماعية، فأغلب الأهل لا يربون أطفالهم على مهارات التواصل وإبداء الرأي والحوار. من جانبنا، نحاول أن نزرع مهارات التواصل السليم والصحيح، وطرق الحوار الناجعة للوصول إلى فكرة مبتكرة، نتيح للأطفال بمختلف الوسائل إمكانية التواصل معنا، تصلنا الآراء والصور، لكننا نطمح لتوسيع دائرة التواصل معهم.. طفلنا لديه مشاكل الخجل القلق الحذر، إضافة للعنف وفرط النشاط، وغيرها من مشاكل تحد من التواصل السليم.. نسعى لخلق هذه الحالة لكن هذا لا يمكن أن يتم بجهد فردي، ولابد من تعاون جميع المؤسسات التي تُعنى بالطفل، لتمكينه من مهارات التواصل والحوار.

 

ماذا عن التخصص، وإدراج أدب الأطفال كاختصاص جامعي معتمد؟

أجد هذا الأمر ضرورياً جداً، وخصوصاً أن مجمل الكتاب يلجؤون إلى كتابة أدب الأطفال بعد فشلهم في الوصول إلى الكبار، اعتقاداً منهم أن الكتابة للطفل أسهل، والأمر على العكس من ذلك تماماً، فالكتابة للطفل تحتاج لملكات إضافية تتعلق بالاطلاع على علم التربية وعلم النفس وكيفية التعاطي مع الطفل، بالإضافة إلى المعارف، والثقافة العامة، واللغة المكثفة.

 

ما هي الرسالة التي توجهينها لكل عائلة فيما يتعلق ببناء أطفالهم الفكري والنفسي؟

القراءة والتفاعل الثقافي مع الطفل هو الوسيلة الآمنة لخلق طفل متوازن مثقف وواثق من نفسه، وبالتالي إنسان فاعل في المستقبل.