مجلة البعث الأسبوعية

مهند العاقوص: أتمنى أن يجد أديب الطفل العربي مؤسسات تأخذ به نحو العالمية.. لا أن “يحفر طريقه بيده”!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

بين الأحلام وتحقيقها، أو القدرة على السير فيها، هناك طريق مليئة بالأمل والعمل والجد في تحصيل مفردات المهنة، ومهند العاقوص شاب سوري أتقن امتلاك أدواته، فأعطته أجنحة ليحلق في سماء أدب الطفولة، ويبحر في محيط المعاني والعبر والحكمة، ليقدم وجبة مميزة من القصص والقصائد والحكم وورش العمل التعليمية للأطفال.. العاقوص في المادة التي يقدمها، بجناحيها الشعر والحكاية، واحد من الأسماء الشابة التي أسست لمنظومة فكرية بهية الكلمة والمعنى في أدب الطفل السوري خاصة، والعربي عامة؛ ومع رهافة الشعر وجزالة الكلمات في حكاية العاقوص، قمنا بالغوص عميقاً ليكون لنا معه هذا الحوار.

 

رسول الطفولة

كتب مهند العاقوص القصة والشعر والمسرح والرواية.. عن اللقب الأحب إلى قلبه، يقول:

أعتبر نفسي محظوظاً أني استطعت أن أكتب في حقول أدب الطفل المختلفة، وحتى أدب الكبار في حقول مختلفة، لربما تكون بجودة متقاربة. والحقيقة، لو غٌيّر قليلاً في السؤال وسُئلت: أي الفنون أحب إليَّ؟ فأعتقد أنه الشعر؛ ربما لأني أرى في الشاعر سليمان العيسى قدوة، ولطالما حلمت في بداية طريقي في أدب الطفل أن أكون مثله رسول محبة للطفولة. أولاً الطفولة العربية، ومن ثمّ الطفولة الإنسانية، ولأني أحب الكلمة التي تُطرب، والتي لها وقع جمالي، وليس الكلمة التي لها معنى معين. أميل جداً إلى الشعر، به بدأت رحلتي في الكتابة وإليه أميل دائماً؛ حتى عندما أكتب القصة، فلابد أن أدخل فيها بعض المحسنات اللغوية التي تأتيني من الشعر، وعندما أكتب المسرح أيضاً أطعّمه بكثير من القصائد، وعندما أكتب الرواية أراني أكتب قصيدة طويلة؛ أما اللقب، فحقيقة أحب لقب الأديب مهند العاقوص، لأني أرى أدب الطفل في منزلة كبيرة، وأراه أحد أهم الفنون في العلوم الحديثة، فأدب الطفل ليس فقط أدباً ترفيهياً – كما يكون للكبار – لكنه أدب بنائي، هو أدب يتشابك مع كثير من العلوم الأخرى التي تبني الطفل، فلذلك أجده حجر أساس، وأجد أن من يتقنه – ولا أقول من يلجه أو يكتب فيه، إنما أقول من يتقنه – يستحق كلمة أديب، وأتمنى أن أستحق لقب الأديب السوري مهند العاقوص.

 

العميد

وصفه البعض بـ “عميد أدب الأطفال”، يقول عن هذه الصفة: حقيقة هناك من أطلق عليّ لقب عميد أدب الأطفال العرب، والذي أطلق هذا اللقب عمل إسقاطاً بين عميد الأدب طه حسين كونه كفيف البصر، وكوني من ذوي الإعاقة البصرية، إضافة إلى أنني قد أكون مميزاً بأدب الطفل، إلى حد ما، على المستوى العربي. لكن لا يهم، أدب الطفل ميزته أنه أحياناً أن اسماً يلمع هذا الشهر، وفي الشهر الذي يليه يلمع اسم آخر، والسنة التي تليها تلمع أسماء أخرى، وهكذا!! حقيقة لا أشغل نفسي الآن بالألقاب، لأنني أعرف أن النجاح هو عملية ثبات واستمرار، وأنا أجد نفسي لست ذا باع طويل في أدب الطفل، لم أثبت نفسي بعد لأنني لم أخلق الاستمرارية الكاملة حتى الآن، رغم أنني أكتب من عشر سنوات ولربما يوماً ما أصبح عميداً لأدب الطفل العربي.. علينا أن نحلم وننتظر!! أنا دائماً أقول أن العظماء لا يختلفون عنا إلا بسعة أحلامهم، وأنا أحلم أن أكون يوماً علامة فارقة ومميزة على الساحة العالمية لأدب الطفل.

 

مفاتيح النجاح

وعن التقدير والمكانة التي يطمح لها مهند العاقوص، قال: أنا راض جداً، قد أكون حصلت على مكانة وتقدير أكثر من غيري من الذين عملوا بجد، لذلك أجد نفسي راضياً، لكن أتمنى أن يجد أديب الطفل العربي مؤسسات تأخذ به نحو العالمية، لا أن يبقى يحفر طريقه بيده كما يقال.

المحبة هي إحدى مفاتيح النجاح وعنها قال: برأيي، أديب الأطفال لا يملك خيارات أن يكون مليئاً بالمحبة أو لا، بالأصل إذا لم تكن مليئاً بالمحبة لن تصل في أدب الأطفال، أو أن طريقك سيكون على مقياس ما تحمله في قلبك من محبة.. إذا محبتك كثيرة فإنك ستذهب بعيداً، وإذا كانت قليلة فإنك بقدر تلك المحبة تنال من أدب الطفل، أنا لا أعرف كيف لا يكون أديب الأطفال محباً للجميع!

أنا في كل قصة أكتبها علي أن أفكر في أول طفل من أقصى مكان بالعالم إلى آخر طفل في أقصى مكان من طرف العالم، وأن هذه القصة تناسبه ولا تؤذيه وتحترمه، وأنه لن يجد فيها إلا ما يسره، ويقدم له المتعة أيضاً. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد هناك قصص لها سمات وخصوصية معينة؛ فأنا أحياناً أكتب قصة تخص بلدي وهذا حقي، هي لا تعني الآخر لكن أيضاً لا تؤذيه، وأيضاً يمكن أن أكتب قصة تخدم توجهاً أخلاقياً معيناً، أختلف به مع غيري، لكن علي أن أقدمه بما لا يؤذي الآخرين، في كل الحالات علي أن أكون محباً.

 

– هل أنت مُلهَم أم مُلهِم؟

يجيب العاقوص عن هذا السؤال بأن كل شخص مبدع هو ملهم، بمعنى أنه تأتيه فكرة إلهامية معينة، لكن لو سئلت عن مصادر إلهامي، لقلت: أنا أجد أن حلم الإنسان هو مصدر إلهامه، وأنا عندما أحلم أن أصل إلى مكان ما، بعيد، مثلاً، يصبح هو مصدر طاقتي وإلهامي، وهو محفزي، ويصبح المحفز ذاتياً، ويصبح المحرك الذي يجعل كل يوم يبدأ وكأنه بالخطوة الأخيرة ما قبل الحلم، فنبدأ بخطوات سريعة وواثقة نحو الإنجاز. هذا يجعل الإنسان ينجز كل يوم، أو على الأقل أنا!!

.. نعم، أنا ملهَم، مثلي مثل كل الذين يعملون في الحقل الإبداعي أو الحقل الفني أو الحقل العلمي، وأعتقد أن الناس كلهم، بطريقة ما، وبحدود ما، هم ملهمون.

.. هل أنا ملهِم؟! لا أعرف إلى أي حد، بكل تأكيد لدي قصة نجاح بغض النظر عما هو حجمها، وكيف يراها البعض، كبيرة أم صغيرة، كل من موقعه. لكن إلى حد ما قد يجد بعض الناس أنني ملهم، وربما قد تلهمه قصتي أو كتابي أو رحلة نجاحي، هذا يحدده الناس لاحقاً، وليس الآن، ولربما أصبح ملهِما.

 

الانتماء

عن انطلاقته وكتبه المترجمة، يقول العاقوص: لو بدأت من الوطن العربي.. حقيقة، كل البلاد العربية فتحت لي ذراعيها، وأنا انطلقت من كل البلاد العربية، فلا بلد لم يفتح لي ذراعيه، ويتواصل معي الناس منه، فقد وصلت كتبي إليهم من المحيط إلى الخليج.. أشعر بالانتماء في أدب الطفل، وبكل تأكيد أشعر أنني انطلقت من سورية إلى الوطن العربي، ومنه إلى العالم.

بعض كتبي ترجمت إلى بعض اللغات، وهذا شيء جميل، وأنا أسمع أصداء طيبة حتى عن كتبي باللغات الأخرى، بالتركية، بالفارسية، بالأوردو، بالإنجليزية والجورجية، وهذه وظيفة أديب الطفل أن يكون إنسان المحبة والعطاء، وأن ينتمي إلى وطنه، لكنه أيضاً إنسان ينتمي إلى هذا العالم.

 

– كتب مهند العاقوص في حقول أدبية مختلفة وحصل على جوائز عديدة، ماذا يقول عن ذلك؟

فزت بالعديد من الجوائز في فروع الأدب المختلفة، ونلت تقديراً أشعر بالرضا عنه، ودائماً أقول أن هذه الجوائز قيمتها بقيمة الفرحة التي أراها في عيون عائلتي، بقيمة أن يشعر الإنسان أنه يسير بالاتجاه الصحيح، وأنه ليس تائهاً، ويذهب باتجاه صحيح نحو حلم أكبر.

ويضيف: بكل تأكيد، لا تشبعني الجوائز!! ليس لأنني شخص طماع، أو نهم، أو مدمن جوائز وأضواء، فأحياناً لا تكون الجائزة مثل المتعارف عليه! أنا أقول، مثلاً، أن أحد كتبي الذي لم يرشح لجائزة أصلاً، ولم يكن متوجاً، صنِّف الأكثر مبيعاً في الشرق الأوسط.. أحياناً، الجوائز لا تأتي على شكل درجات أو مسابقات، وهناك جوائز أسمى بكثير، كأن ينتشر كتاب لك، أو أن يقول لك طفل أن كتابك غيّر شيئاً داخلي، أو أفرحني، أو أسعدني، أو تعلمت منه؛ أو تقول أم أن ابني ينتظر قصصك.. كل هذه جوائز! وأن يدعو لك أحدهم بالخير، فهذا أيضاً من الجوائز! أنا دائماً أسعى إلى شيء أكبر، هذه طبيعة كل إنسان يريد النجاح ويطمح له، وأنا أدَّعِي أنني لا زلت في بداية الطريق، ولا زلت أعدُّ المائدة الآن، وللتو بدأت.

 

أداة ناعمة

عادة يخدم أدب الطفل قضايا إنسانية، والعاقوص قدم أفكاراً لم يتطرق إليها أحد، وعنها يتحدث:

تخلى أدب الطفل عن وظيفته السابقة، والتي تعرَّف الناس عليه من خلالها على أنه أدب ترفيهي، وأنا أقصد في الوطن العربي، فقد أصبح أدباً حمَّال قضايا، وصانع رأي عام، يقود حركة تحولات في المجتمع.

نحن نرى أن أدب الطفل إذا ذهب باتجاه الإعاقة يعني أنه ذهب باتجاه مؤثر، وإذا ذهب ليعالج مسألة اللجوء فإنه يؤثر فيها، وإذا ذهب ليعالج مشاكل أسرية فإنه يؤثر أيضاً.. إذاً، نحن نتكلم عن أداة ناعمة قوية، لها شخصيتها ومكانتها، ولها أدواتها الفاعلة مجتمعياً، وأنا أيضاً جزء من هذه الحركة، واعتقد أنني قدمت – في كثير مما قدمت – قضايا تهم الإنسان بطريقة ما، أينما كانوا، ومن كانوا!!

 

الإعلامي

لم ينحصر نجاح العاقوص في كونه كاتباً وشاعراً، بل تجاوز ذلك ليكون محاوراً ومعداً قوياً لملتقيات عدة أطلقها.. عن اكتشافه لذاته كإعلامي، يوضح:

خلال عملي في السنوات الأخيرة كمعد برامج إذاعية وتلفزيونية، وجدت متعة كبيرة، خاصة في الأعمال التلفزيونية. نحن في العصر الرقمي، والصورة، والجذب في وقت قصير وقليل، وهذا يحققه الظهور التلفزيوني للكثير من الأعمال: القصص والأناشيد الموجودة في أكثر من تلفزيون، فأنا معد برامج في قناة براعم، وإذاعة سلطنة عمان، وتلفزيون عمان، وقناة الاستقامة، وهناك محطات أخرى.. من المهم أيضاً الإشارة إلى أنني أشرف على “الإستراتيجية الوطنية لبناء ثقافة الطفل” في وزارة التربية بسلطنة عمان، أو ما يسمى بالسلاسل القصصية؛ وكمدير لهذه العملية، قمنا بتدريب الكثير من المعلمين والمعلمات، ونحن الآن بصدد إنتاج كبير يصل إلى كل مدارس السلطنة؛ وتلك، حقيقة، واحدة من النقاط المشرفة التي أسعد بها.. أيضاً هناك عملي في “مؤسسة مملكة الطفل” كمدير تنظيمي لملتقى مملكة الطفل، وقد وصلنا الآن إلى الملتقى الرابع، ولعبت فيه دوراً إعلامياً أيضاً. لربما تكون وجهتي القادمة أن أكون في الحقل الإعلامي، لأنني شعرت أنني أستطيع أن أخدم قضايا الطفولة وثقافة الطفل، وأخدم الإنسان من موقعي كمحاور أيضاً في هذا المجال.. لربما يكون هذا عنوان المرحلة المقبلة.