في “تربية طرطوس”.. عنف إداري وضرب التوجيهات بعرض الحائط!
من يتابع أخبار وزارة التربية، وما تنشره على صفحة مكتبها الصحفي بشكل يومي، يرى الجهد الكبير المبذول من المعنيين في الإدارة المركزية بالوزارة من أجل الحفاظ على حسن سير العملية التربوية، ومواكبة عملية التطوير الحاصلة بالنسبة للمنهاج، إضافة إلى الورشات المكثفة والمكلفة بآن معاً في ظل الأوضاع الراهنة، إذ تدأب الوزارة على تجاوز السلبيات وتكريس الإيجابيات في المدارس وتحسين الواقع التعليمي بعد عشر سنوات من الحرب على سورية حاولت النيل من العلم وتدمير المدارس، مما حدا بالوزارة والمعنيين لتضافر وتكثيف الجهود من أجل المحافظة على القيم التربوية المتجذرة عند الطلبة.
شغل شاغل
ولكن ما يشغل بال “التربية” في الآونة الأخيرة ازدياد حالات العنف والتنمر في المدارس، ولاسيما في ظل انتشار حالات على مستوى مديريات التربية من ضرب وأذى وظواهر لم تكن مدارسنا معتادة عليها سابقاً.
ما انتهجته التربية من أجل الحدّ من هذه الظواهر كان نتيجة حوادث سبّبت ضرراً جسدياً لطلاب، وآخرها ما جرى من اعتداء طالب على زميله ما أدى إلى استئصال الطحال للطالب المعتدى عليه.
مدير المدرسة ضحية
والغريب في الموضوع طريقة تعامل وردود أفعال مديريات التربية بعد تلك الحوادث، فدوماً يقع الفأس برأس إدارة المدرسة التي شهدت الحادثة، بينما تُبرأ جميع الكوادر التربوية في المديرية، متناسين أن هناك جيشاً جراراً من الإداريين العاطلين عن العمل في الواقع بمسميات براقة، كمرشدين نفسيين واجتماعيين وغيرها من الاختصاصات غير المفعّلة في أغلب المدارس. لتتحفنا الوزارة بندواتها وتعاميمها التي تذهب أدارج مديري التربية. ويتساءل تربويون: هل نفّذت مديريات التربية تعليمات الوزارة وتأكيدها على تعزيز دور الإرشاد النفسي والاجتماعي في المدارس من خلال الجولات التفقدية لواقع الإرشاد الميداني، والتعرف على الصعوبات والاحتياجات والمقترحات للمرشدين النفسيين والاجتماعيين في بعض المدارس لعدد من المحافظات؟.
وحسب تأكيد وتشديد وزارة التربية على مديرياتها كافة، طلبت منهم التعميم على دوائر البحوث /شُعب الإرشاد النفسي والاجتماعي/ إبلاغ جميع المرشدين (النفسيين- والاجتماعيين) بالكتب الوزارية والتعليمات الصادرة، وتزويدهم بالنشرات الإرشادية والأقراص الليزرية التي تحتوي على (كتب إلكترونية، أفلام فيديو، مطويات، مراجع… الخ)، والتأكيد على تنفيذ البلاغات الوزارية السابقة والمتضمّنة تأمين غرفة للمرشد بمستلزماتها، وتزويده بجهاز حاسوب، ومتابعة تنفيذ مضمون البلاغات الوزارية السابقة حول منع الضرب أو العنف في المدارس بمختلف أشكاله، وضرورة استخدام الأساليب التربوية.
كلّ ما ذكرناه لم يكن مجرد استعراض لإنجازات الوزارة، أو كلاماً جزافاً، بل لنلفت عناية وزير التربية الدكتور دارم طباع الذي لا يدخر جهداً في العمل المستمر والتوجيهات البنّاءة لمديري التربية من خلال الاجتماعات الإلكترونية عن بعد أو القريبة وجهاً لوجه، إذ نلفت الانتباه إلى أن الضرب ليس مقتصراً فقط على الطلاب كضرب جسدي، بل هناك ضرب من نوع آخر، ألا وهو ضرب كافة التعاميم والتوجيهات بعرض الحائط!!.
إهمال وتطنيش
ما فاجأنا به مدير تربية طرطوس علي شحود بعد وصول شكوى إلى “البعث” عن عنف يقوم به ابن إحدى المدرّسات في المدرسة نفسها أنه لم يحرك ساكناً لغاية الآن، علماً أن “البعث” تواصلت مع مدير التربية أكثر من مرة على مدار خمسة عشر يوماً، ولكن لم نجد جواباً شافياً، واضطررنا للجوء إلى مديرة المكتب الصحفي في الوزارة الدكتورة ريما زكريا التي سعت مشكورة للتواصل معه والطلب بالردّ علينا كونه تجاهل اتصالاتنا الكثيرة، ليؤكد على متابعة الشكوى ومعالجتها وِإعلامنا في اليوم التالي، لكنه حتى الآن رغم الاتصال المتكرر معه لم نعرف ما جرى، علماً أن الأهل أكدوا عدم حدوث أي إجراء بحق الطالب في المدرسة.
ابن مُدرّسة!!
وأوضحت والدة الطالبة المعتدى عليها في مدرسة أبو فراس الحمداني بالرمل الأوسط أن ابنتها تعرّضت للضرب على الرأس من قبل الطالب الذي لديه سلوك عدواني – حسب الشكوى – نتيجة احتمائه بوالدته، علماً أن ابنتها ليست الوحيدة التي تعرّضت للضرب، فالطالب قام بأكثر من اعتداء على زملائه من دون رادع أو حلّ من قبل إدارة المدرسة!.
ومع أن الطالب والدته مدرّسة في المدرسة نفسها، لابد من تذكير مدير تربية طرطوس بتعميم الوزارة الأخير بتبليغ إدارات المدارس عدم معاملة الأطر التعليمية لأبنائهم في الصفوف التي يدرّسون فيها معاملة خاصة أو تمييز عن أقرانهم، وعلى مسؤوليتهم الشخصية، ومسؤولية مدير المدرسة، وسيتمّ القيام بجولات ميدانية على المدارس للتأكد من ذلك. ويأتي هذا الإجراء حرصاً من وزارة التربية على تحقيق العدالة بين المتعلمين، ومنحهم القدرة على المنافسة النزيهة دون الشعور بأي تمييز.
استهجان وتنظير؟
والمستهجنُ أكثر في القضية تصريح مدير تربية طرطوس لإحدى الوسائل الإعلامية الرسمية مؤخراً حول العنف، معترفاً أن العنف ظاهرة سيئة انتشرت بين الطلاب مؤخراً.
ولم يخفِ مدير التوجيه في وزارة التربية المثنى خضور أن السلوكَ العدوانيّ للطفل مكتسب من البيئة التي يعيش فيها، ويستعمله الطفل وسيلة من وسائل الدفاع عن الذات، ويطوّرها فيما بعد لتصبحَ وسيلةً لحلِّ المواقف الصعبة التي يواجهها؛ لكونه لا يمتلك المهارات الحياتية التي تشعره بالأمان مع الآخرين، لذلك، تكون المعالجة من خلال الحدّ من النماذج العدوانية عبر إعطاء صورة القدوة أو المثل الأعلى من قبل الأهل والمعلمين، إضافة إلى الحدّ من مشاهدة البرامج العنيفة قدر الإمكان، وتدريب الطفل على السيطرة على الغضب والمواقف المحبطة، وهنا يأتي دور المرشد النفسي والاجتماعي في المدرسة وتواصله مع الأهل للمساعدة.
يد واحدة لا تصفق
وقبل أن نحمّل الأسر مسؤولية التربية والعنف، مع أن لها دوراً بارزاً في عملية المتابعة مع المدرسة يبقى الأهم طبيعة بعض مديري التربية وعدم تجاوبهم مع الإعلام والتغاضي عن الشكاوى وإهمالها لأسباب غير معروفة أو وجود محسوبيات شخصية، لنترك الموضوع برمته برسم وزير التربية، ونحن متأكدون من متابعته الحثيثة ومعالجة الأمور الشائكة، لكن في النهاية يد واحدة لا تصفق.
علي حسون