جيش الاحتلال الإسرائيلي يفشل في تقدير المخاطر و”التهديدات”!!
“البعث الأسبوعية” ــ محمد العمري
كانت فترة خدمة رئيس هيئة الأركان العامة الحادي والعشرين لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الفريق غدي أيزنكوت، حافلة بالعواصف التي توالت واحدة تلو الأخرى، والأكثر بروزاً وحتى الأخطر بينها، كان التقرير الأخير الذي قدمه، في حزيران 2018، اللواء في الإحتياط إسحاق بريك في وظيفته بصفته مندوب شكاوى الجنود.
العودة للوراء قليلاً هي في غاية الأهمية، وبخاصة حينما نتناول مسألة تراجع قدرات جيش الاحتلال، وتأثير ذلك على طبيعة التوازنات وقواعد الاشتباك في المنطقة، فقد شرح التقرير بالتفصيل مختلف المشاكل التنظيمية والاستراتيجية التي يعاني منها جيش الاحتلال، والتي حرصت القيادتان العسكرية والسياسية على تجاهلها، لكنهم أخفقوا في هذا المسعى. ومن الواضح أن التقرير يقدم نظرة أكثر إزعاجاً عن وضع جيش الاحتلال، وهو ما يتضح في النقاط التالية:
أولاً: “ضباط وجنود اعتادوا عدم تنفيذ الأوامر”، فاللواء المتقاعد قدم ثلاث تقارير حول ذلك وتعتبر هذه التقارير دقيقة لسببين: وجوده على رأس عمله أثناء إعداد التقارير وملامسته للواقع، ووجود شهادات لجنود في الميدان.
وبالانتقال للواقع العملي، نجد أن ذلك ينطبق كمثال على عدم إذعان الجنود والضباط لعدم تربية اللحى، فضلاً عن ارتفاع نسبة التسرب والهروب من الخدمة العسكرية، والتي بلغت عام 2020 ما يزيد عن 15%، بحسب موقع عكا للشؤون الإسرائيلية. ومن الأمثلة الفاضحة على المستويين الأمني والعسكري عملية إطلاق صاروخ كورنيت على باص بالقرب من قطاع غزة في تشرين الثاني 2018، فحين تم التحقيق لمعرفة كيف يمكن لحادث كهذا أن يحصل، اكتشف بأن قائد المنطقة أعطى أوامر واضحة جداً كي لا يحصل ذلك، لكنه أصدر هذا التوجيه عبر الرسائل الإلكترونية التي اعتاد القادة عدم قراءتها، وهكذا تبين أن عدداً من القادة تلقوا التوجيه ولم يطبقوه.
ثانياً: “عدم وجود مركزية في إدارة الذراع البري لجيش الاحتلال”، وهو ما أبرزه التقرير عندما ذكر أن “الذراع البري ببساطة لا تتم إدارته.. لا يوجد أي تزامن بين مختلف أقسام هذا الذراع. في الذراع الجوية وفي الذراع البحرية يوجد ضابط برتبة لواء يترأس الذراع، ومنه تصدر التوجيهات بصورة منظمة إلى الأسفل، يملكون الصلاحيات على كل الذراع ولديهم طاقم، توجد بينهم مباحثات، توجد توجيهات من أعلى الهرم لأسفله، ولكن كل ذلك لا يحصل في ذراع البر، الذي هو الهيئة الأساسية التي يتألف منها الجيش الإسرائيلي”.
ثالثا: ” تراجع التقدم التكنولوجي والنوعي لمجمع الصناعات العسكرية الإسرائيلية”: وهذه النقطة تتمثل في شقين: الأول بقول بريك وجود جيش الاحتلال في أصعب حالة لناحية قدراته “منذ قيام الدولة”، وعدم القيام بأي شيء لمعالجة هذا الوضع، والشق الثاني الاعتراف الرسمي المتتالي بالقدرات الصاروخية والسيبرانية لمحور المقاومة.
رابعاً: “عدم جدوى التدريبات والمناورات”، والمتابع للشؤون العسكرية داخل جيش الاحتلال يدرك هذا الواقع، فالمسؤول عن التدريبات هو قائد الذراع البرية لكنه لا يتواصل مع القيادات، لأنه لا يبني خطة تدريبات ملائمة لحاجاتهم، وفي جزء من الحالات لا يتحدث الجنرالات مع بعضهم البعض عموماً، الغالبية الحاسمة من التدريبات التي تجريها قيادة الذراع البرية بنيت من أجل مواجهة ميدان معركة غزة، لكن هذا ليس ما تحتاجه ما يسمى “قيادة الشمال”، أي جبهتي لبنان وسورية، بمعنى التدريب على مخططات جبلية، وهذا تقريباً غير موجود.
خامساً: “انتشار الفساد والسرقات”، ويأخذ ذلك أشكالاً متعددة أبرزها “الفساد العميق” بحسب وصف “يديعوت أحرونوت”، والذي يتمثل في زيادة حالات تعاطي المخدرات بعد هزائم 2006 في لبنان، والانتكاسات المتتالية على جبهة غزة، وانتشار الاعتداءات الجنسية، وسرقات الأسلحة، وصفقات الغواصات التي أبرمت مع ألمانيا عام 2019، ونسب العمولة الكبيرة التي حققها الوسطاء المقربين من قيادة الجيش.
ويشير التقرير إلى التقصير في تعزيز مفاهيم الأمن والاستراتيجيات العسكرية، والذي جعل الجيش غير متناسب مع “التهديدات” التي تواجهه. وهذا الرؤية تتشارك بها الكثير من مراكز الدراسات، وفي مقدمتها معهد “بيغن للسلام”، الذي يعتبر أن الطاقم الحاكم في إسرائيل يتجاهل التهديد الوجودي القائم على “إسرائيل” على شاكلة عشرات آلاف الصواريخ الموجودة لدى المقاومة، فضلاً عن قدرات سورية الصاروخية، والتجاهل للمشكلات الداخلية والتي قد تكلف “إسرائيل” كثيراً.