ست الحسن في ليلتها الأخيرة لـ سلوى البنا
أحمد علي هلال
بعد تجربة سردية مديدة للروائية سلوى البنا، تأتي روايتها (ست الحسن في ليلتها الأخيرة) بعلامتها اللغوية الباذخة لتقارب زمن الحرب ومحكياتها، لكن الأدلّ في -روايتها- هو الحكاية بميراثها الشهرزادي، فمما قبل الليلة الأولى إلى الليلة الأولى تعضد الروائية فصول روايتها الثلاثة برواية الشخصية ست الحسن أو وردة، ومع هذه الوردة تبدأ الحكاية ليفوح منها عطر حسن في مأثرة عشقية تأتي في تصاديات الحرب واكتناز خطاب مقولاتها بالدلالات الفارقة والمتواشجة مع بنية النص ومكوناته جسداً ورؤيا وعلائق نصية تتبادل التقديم والتأخير عبر تقنية مونتاجية هي الأقرب إلى المشهدية السينمائية أو المسرحية، ولاسيما أنها تبدأ روايتها من قاعة المحكمة، التي تشهد محاكمة ست الحسن بوصفها جانية، لكن السؤال الذي يطاول بنية الرواية يظلّ يدور في فلك أسئلة جهرت بها الرواية من مثل لماذا (استقطبت ست الحسن كل هذه الأطياف والأجناس، هل هو جمالها الباهر الذي يطاردها كلعنة أبدية أم أن تهمتها جعلت منها محطّ أنظار العالم، وكيف لها أن تقتل بهذه الرقة، سيداً بهذه القوة والنفوذ وبوحشية وقسوة)، نذهب إذن مع محكي الرواية وشخوصها (الشيخ فواز، شهلا، نائلة، ليليانا، وميمون، وحسن) وغيرهم ممن يؤثثون فضاء المحكي الروائي وتعالقه بالحكاية المركزية (ست الحسن أو وردة)، حيث قصة عشق مضادة للوقائع الضارية التي تحفل بها الرواية وتنفتح على مضمرات النص في جغرافيا صراعية للفوز بقلب ست الحسن، ووردة ذاتها التي تعني مجاز رواية كبيرة، هي ذاتها التي تقول: (أنا الوردة الشامية وعرسي هذه الليلة، وهناك خلف الباب ينتظرني حسن)… حسن الذي عشقته صبياً صغيراً.
وردة هي أيقونة الحكاية التي تتواتر فصولها مشبعة بنزوع فانتازي وعجائبي، كمثل استحضار الشهود في المحكمة الغرائبيين بما يكفي تأويل الحكاية وشحنها لأمداء بعيدة، (الكاهنة أو الجنية، عفرين العملاق، ميمون)، وذلك النزوع العجائبي ما يوشح الرواية بوظائف سردية تحيلنا إلى دينامية الأحداث، ودلالات الصراع التي يغذيها الحدث الروائي الأكثر تشويقاً وتأثيراً واقتراباً من المخيلة الشعبية المتناصة مع إرث (ألف ليلة وليلة)، لكن وردة في المقابل هي عروس الشام التي تنتظر فارسها (تلك الصبية التي شاهدتها في الحلم تتعلق بذراع حسن، ليست سوى هذه الأرض التي تنافسك في حبه)، فهل ذهبت الروائية إلى أن تشتق للحرب معادلاً أثيراً هو الكابوس، ولتنجو منه عبر متخيّل عشقي، يحيلنا خطاب الرواية الضمني أي في الوقائع الغريبة التي تتصل بسير الشخصيات وهويتها، والتي تستثمر فيه الروائية وعياً ناجزاً بالواقع لتعادله بالحكاية، وذلك عبر قصدية اللغة الشاعرية (وأنا الوردة المخطوفة في أرض غاباتها أرز وصنوبر، وعطرها مزيج برتقال وليمون وياسمين، وبراريها تفوح بالزعتر، وتلونها أزهار الختمية، وعبق الحبق الأخضر) ومع مونولوج الشخصية التي تعني دال حكاية (ست الحسن في ليلتها الأخيرة) (أنا قبلة الشمس والحياة من يسمونها الشام، ويختزلونها فلسطين، وردة أم ست الحسن أنت أم فلسطين،… أنا عينا يافا وقلب القدس وجبين دمشق، أنا الخافق في صدر بيروت، الوردة المسكونة بالألق والحنين)، هذه الحكاية هي مهماز الحكايات حكاية الجيوش الجرارة التي أرسلها كبير الشياطين، حين اقتربت من أسوار الحسن خطف أبصارها ضوء باهر وعبق في صدرها عطر الياسمين، خدرها عطر ست الحسن فتهاوت تحت تلك الأسوارة).
وتأتي النبوءة على لسان حليمة -الراوية الضمنية- لتقول: (وردة لا تكون لغير حسن، وحسن لا يكون لغير وردة)، في خاتمة تعضد أفعال الاستشراف، تقول الروائية: (انشق ضوء صغير جداً من كوة في الجدار فعبرته وردة وكأنها الطيف)، ومع دينامية الحكاية بوصفها الفعل بحسب أرسطو نقف على خطاب رواية متعدّدة تفارق مرجعها الواقعي ومتخيلها لتستنطق التاريخ وحقيقته، بوصفها معادلاً نقدياً للحرب ولاحتمالات تأويلها المتعددة بلغتها الرشيقة المقطرة الشعرية في قبضها على الجمالي والفكري بآن.