قضاء أردوغان يسرّع خطوات حظر الشعوب الديمقراطي
جرّدت سلطات النظام التركي اليوم النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي عمر فاروق غرغرلي أوغلو من مقعده في البرلمان، في أحدث خطوة من سياسة القمع التي يتبعها هذا النظام ضد معارضي سياساته.
وتمّ الإعلان رسمياً في البرلمان التركي عن تقديم غرغرلي أوغلو للمحاكمة، قبل تجريده من مقعده، في خطوة تمهّد الطريق لسجنه.
من جهته وصف غرغرلي أوغلو إجراء النظام التركي بأنه “انقلاب على البرلمان”، فيما لاقى هذا الإجراء معارضة كبيرة من نواب حزبه، الذين هتفوا في البرلمان: “لن نستسلم”.
واعتصم غرغرلي أوغلو داخل البرلمان ومعه جميع أعضاء البرلمان عن حزبه احتجاجاً على قرار النظام التركي.
وكتب غرغرلي أوغلو، وهو من نشطاء حقوق الإنسان، على تويتر: “لا يمكن أن تُدهس إرادة الشعب تحت الأقدام. الرغبة في السلام ليست جريمة”.
وكتب حزب الشعوب الديمقراطي كذلك تغريدة على حسابه الرسمي تويتر “نحن لا نترك نائبنا بمفرده ولن نغادر البرلمان”. ونشر صوراً لنواب من حزب الشعوب الديمقراطي وهم يرتدون الكمامات وصورة لغرغرلي أوغلو وهو يقف ويشير بعلامة النصر.
وأظهرت لقطات سابقة لحزب الشعوب الديمقراطي نواباً من الحزب وهم يهتفون بشعارات داخل القاعة الرئيسية، وكان من بين الشعارات “الحقوق والقانون والعدالة” و”حزب العدالة والتنمية الانقلابي”، في إشارة إلى الحزب الحاكم الذي يتزعمه أردوغان.
ويتهم حزب الشعوب الديمقراطي الرئيس التركي بمحاولة تصفيته سياسياً، مشيراً إلى الحملة التي استهدفت استبعاد رؤساء بلديات وأخرى استهدفت نواباً بعد أن تمّ الزج بزعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش في السجن بتهم كيدية وانتقامية.
وكانت محكمة تابعة للنظام التركي حكمت عام 2018 على غرغرلي أوغلو بالسجن لمدة عامين ونصف العام بتهمة “الدعاية الإرهابية”، علماً أنه معروف بانتقاداته لسوء المعاملة والتعذيب الذي يتعرّض له المعتقلون في سجون النظام التركي.
وفي سياق متصل تقدّم وكيل النيابة العامة التابعة للنظام التركي بدعوى رسمية إلى المحكمة الدستورية العليا لحظر نشاط حزب الشعوب الديمقراطي بزعم “الإرهاب وانتهاج سياسات تتناقض مع الدستور”.
ودعا وكيل النيابة المحكمة العليا لمنع 600 من القيادات الحالية للحزب والقيادات السابقة، بما فيها الرئيسان المشاركان للحزب دميرطاش وفيكان يوكساكداغ الموجودان في السجن منذ تشرين الثاني 2016، من “ممارسة أي نشاط سياسي إلى الأبد”.
وتتوقّع الأوساط السياسية للمحاكم أن تصدر أحكام مماثلة بحق حوالي 12 من برلمانيي الحزب، وهو ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان، حتى يتسنى للبرلمان، بأغلبية حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، إسقاط الحصانة عنهم.
وحكم الإدانة وتجريد غرغرلي أوغلو من عضويته بالبرلمان هو أحدث حلقة من حلقات استهداف حزب الشعوب الديمقراطي، في حملة ممنهجة تسلط الضوء على ممارسات النظام التركي لإضعاف الحزب، بينما يطرح حزب الحركة القومية حليف أردوغان، شطب هذا الحزب نهائياً من المشهد السياسي بزعم دعمه للإرهاب.
ويتعرّض الحزب منذ 2016 للقمع، الذي زادت وتيرته في شباط الماضي على خلفية مقتل 13 تركياً كان يحتجزه حزب العمال الكردستاني في شمال العراق خلال عملية تركية لتحريرهم.
ويعتبر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حزب الشعوب الديمقراطي واجهة سياسية لحزب العمال، وعادة ما توجه لأعضائه ونواب تهمة الإرهاب وربط صلة بتنظيم إرهابي، وهي تهم تعتبره المعارضة كيدية وانتقامية المراد منها التخلص من منافس سياسي شرس لأردوغان وحزبه.
ويأتي إسقاط عضوية النائب غرغرلي أوغلو بعد أسابيع قليلة من خطاب ألقاه أردوغان وعد فيه بتعزيز الديمقراطية وتحسين وضع حقوق الإنسان وتوسيع الحريات وحمايتها، في وعود شكك فيها خصومه السياسيين، واعتبروها دعاية للاستهلاك الإعلامي محاولة لخداع الناخبين، وأشاروا إلى أن ما يصرح به أردوغان يناقض أفعال حزبه وأجهزته على أرض الواقع من قمع ومصادرة للحريات واستهداف للمعارضة.
ويسعى أردوغان جاهداً، بدعم من حليفه حزب الحركة القومية، للتخلص سريعاً من حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر أحزاب المعارضة، والذي بات يشكل خطراً على مستقبله السياسي، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية مقبلة على خوض انتخابات 2023 برصيد شعبي ضعيف وبانقسامات داخلية إضافة إلى أزمات متناثرة اقتصادية واجتماعية.
وإضعاف حزب الشعوب الديمقراطي لن يغيّر في كل الحالات من وضع أردوغان في شيء، فحتى لو تم استبعاده أو شطبه من المشهد السياسي فإنه قادر على توجيه قاعدته الانتخابية لصالح حزب المعارضة الرئيسية: حزب الشعب الجمهوري، الذي تفيد استطلاعات الرأي بتقدمه على حزب العدالة والتنمية.
ومن المتوقّع أن تستفيد المعارضة من الخزان الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي، كما يتوقّع أن يقضم حزبان جديدان الأول بزعامة رئيس الوزراء السابق أحمد داود اغلو والثاني بزعامة علي باباجان (بعد انشقاقهما عن الحزب الحاكم)، من الرصيد والخزان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية.
ويبدو أردوغان في وضع صعب وهو يكابد لترميم التصدعات داخل حزبه ومحاولة استقطاب الناخبين عبر وعود وصفها معارضوه بأنها “بيع للأوهام”.