لمحة عن النسوية في مسرحية مَكبث
يقدم لنا شكسبير في مسرحية مكبث شخصية ليدي مكبث المتضاربة، فعند تلقيها رسالة زوجها التي تتحدث عن نبوءة الساحرات، حاولت التشبّه بالرجال لتظهر القوة اللازمة لاكتساب مكانة اجتماعية إضافية شبيهة بمكانة فرد من الأسرة الملكية. ويبدو أن ليدي مكبث بارعة في التخطيطـ، إذ حددت الوقت المناسب لاغتيال الملك دنكان، وطريقة قتله. ويبدو أنها بارعة أيضاً في توبيخ زوجها لأنه لم يتصرف كرجل، لكن على الرغم من قدراتها تلك، كانت السبب الرئيسي في الكشف عن دور مكبث في اغتصاب العرش.
كان زوجها اللورد مكبث من رجال الملك المقربين، لما يتمتع به من خصال القائد المقدام، وعندما كان مكبث عائداً من معركة كبيرة ظفر بها، استوقفته ثلاث ساحرات دميمات ليُنبِّئنه بأنه سيصبح الملك التالي، وعندما علمت ليدي مكبث بهذه النبوءة لم تتورع في القول إن قتل الملك ضروري لتحقيق النبوءة، لكن رقة قلب زوجها كانت تعوقه، فلملمت ما في نفسها من شجاعة وذهبت إلى حجرة نوم الملك، الذي كان في ضيافتهم، وبيدها سكين حادة، ودنت منه بعد أن تأكدت أن خادِمَيه في حالة سكر.
كان الملك دنكان يشخر ويغط في نوم عميق، وعندما أتت عينها على وجهه عن كثب تذكرت شيئاً من والدها فيه، ولم يطاوعها قلبها أن تطعنه. وعادت إلى حجرة نومها لتسامر زوجها الذي بدا في نظرها متردداً لأنه كان يحترم الملك وطباعه الحميدة، فعلمت أنه بدأ يتحول نحو الخير، فأبدت في نفسها تصميماً بالغاً لتصل إلى هدفها، فهمَّت تصب في أذنيه كلمات تحرضه على المضي بالمكيدة، وأخذت تسخر من تراجعه عن قصده ووصمته بالجبن، فنفض عنه الخوف وتناول الخنجر وتسلل إلى حجرة الملك وقتله بضربة واحدة، وتتالت الأحداث إلى أن وصل مكبث إلى العرش وتحققت نبوءة الساحرات، لكنه لم يهنأ وزوجه بعدها بنوم.
ظهرت ليدي مكبث لأول مرة كشخصية ذات إرادة حديدية مستعدة “لأنتزع حلمة ثديي من فمه [أي رضيعها] الذي لا أسنان فيه، بل أن أهشم رأسه، لو أني كنت قد أقسمت أن أفعل ذلك كما أقسمت أنت أن تقتل الملك”، حتى تظهر لاحقاً بأنها ممسوسة بكوابيس سببها الشعور بالذنب، فأنّى لشخصية قوية كهذه أن تقع فريسة للهلع؟ وفقاً لنظرية النسوية المادية، إن ضعف ليدي مكبث، على الرغم من إظهارها للقوة سابقاً، ما هو إلا نتيجة الصورة النمطية التي وضعها المجتمع الأبوي لجنسها.
ثمة تكهن يتوقع سبب عدم الاعتراف بقمع المرأة بنفس قدر الاعتراف باضطهاد مجموعات عرقية أو دينية معينة، وهو أن “ولاء المرأة للرجال [الذين تتشارك معهم الخلفية نفسها] يحل دوماً محل ولائهم لنساء من طبقات مجتمعية مختلفة”. وفي حين أن بعض العوامل الاجتماعية والاقتصادية تفصل بين الناس من مختلف مناحي الحياة، تنفصل النساء أيضاً داخل هذه المجموعات عن بعضهن بعضاً، فتظل المرأة معزولة، ما يمنعها من إحداث تغييرات كبيرة كونها تفتقر إلى القوة في العدد.
وبالرغم من قوة ليدي مكبث الملحوظ مقارنة بالأخريات من جنسها، ليس لديها من وسيلة تكيد من خلالها لأنها ما تزال معزولة عن النساء الأخريات أثناء المسرحية. وفي حين أن قوتها كبيرة، ليست قوية بما يكفي لترتكب جريمة قتل بمفردها، كما أنها لم تفضح سر أفعالها وأفعال زوجها الإجرامية لكونها امرأة والمرأة ضعيفة بطبيعتها، كما يظن بعضهم، بل فضحته لأنها امرأة مُنعت بصورة انتقائية من إيجاد القوة في العدد.
تظهر ليدي مكبث منذ بداية المسرحية كشخصية متفرغة لحبك مؤامرات التمرد. واستناداً لما قالته الكاتبة لويس تايسون: “تفني النساء أنفسهن في دعم إنجازات أزواجهن وأبنائهن”، فلا نرى ليدي مكدوف مثلاً – وهي مثال على الأمومة – تحيك مؤامرات خبيثة، ذلك أنها توظف كل قواها العقلية في إنجازات زوجها وأبنائها.
من جهة أخرى، ليست ليدي مكبث مقيدة بالواجبات المنزلية مثل ليدي مكدوف، لذا نراها تشحذ قدراتها العقلية في سبيل مصلحتها. وبينما يُنظر إلى ذكاء الشخصية الذكورية أنه سمة نافعة، يعرف النظام الأبوي ذكاء ليدي مكبث بأنه عيب ومؤشر على أنها امرأة غير سوية “خذلها القدر”.
يشجع المجتمع الأبوي ليدي مكبث على الانخراط في دورها كأم، وينظر إليها كامرأة أنانية وغير سوية عندما تعترف بأنها مستعدة لتهشيم رأس رضيعها في سبيل تحقيق هدف معين، وهو تصريح شديد الغرابة في نظر النظام الأبوي الذي يؤمن بأن رغبة المرأة في إنجاب الأطفال وحمايتهم هي جزء من “تركيبتهن البيولوجية الطبيعية”. وعلى الرغم من ذكاء ليدي مكبث وقوتها في بداية المسرحية، أُحيلت إلى شخص ضئيل تطارده الكوابيس والإحساس بالذنب نتيجة الصورة النمطية التي رسمها المجتمع الأبوي لجنسها.
إعداد: علاء العطار