التحولات النفطية القادمة.. حذر وقلق
ريا خوري
في قراءة دقيقة لوضع التقلبات المستمرة لأسعار النفط الخام، توقع محلّلون ومختصون استمرار التقلبات السعرية له خلال الفترة القادمة نتيجة ارتفاع مستوى المخزونات النفطية وعودة ارتفاع الإصابات بفيروس كوفيد ١٩ في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول العالم. لذلك يسعى المنتجون في منظمة أوبك للسيطرة على فائض المعروض، بالتوازي مع تخفيضات قليلة غير طوعية في الولايات المتحدة والنرويج وكندا وغيرها.
إن صناعة النفط في الولايات المتحدة تشهد تأرجحاً بين الإغلاق وإعادة الإنتاج، حيث تعمل الدول المنتجة الأخرى للقضاء على الفائض النفطي المعروض، بعد أن أدّت تخفيضات الإنتاج إلى تشديد المعروض في سوق النفط وساهمت بشكلٍ ملحوظ في تحسين مستوى الأسعار، وإن كان ذلك على حساب بيع أحجام أصغر وفقدان بعض من الحصص في السوق.
وفي هذا الإطار، يقول روس كيندي، العضو المنتدب لشركة (كيو إتش أي) المختصة في خدمات الطاقة “إن أسعار النفط تواصل مسيرة التقلبات وعدم الاستقرار بسبب حالة عدم اليقين المحيطة بالسوق جراء جائحة كوفيد ١٩، وتوقعات العودة إلى إغلاق الاقتصادات الدولية، وهو ما سيقود بالضرورة إلى تفاقم حالة الركود الاقتصادي العالمي”.
من جانبه، يقول مدير تنمية الأعمال دامير تسبرات في شركة “تكنيك غروب” الدولية: “إن السوق تنتعش من وقت إلى آخر بسبب بعض الإشارات عن عودة الطلب، ولكن الضغوط الكبيرة على السوق تأتي نتيجة تجدّد المخاوف من موجة ثانية من الفيروس التاجي، ما يثير بعض الحذر من قبل المتعاملين في السوق ويؤثر في الجوانب المعنوية والإنسانية”.
إن ارتفاع المخزونات الأمريكية إلى مليون وسبعمائة وخمسين ألف برميل في الفترة السابقة قاوم تأثيرات خفض الإنتاج، الذي ينفذه بكفاءة جيدة تحالف منظمة أوبك وجعل السوق يستمر في حالة التقلبات السعرية والتذبذبات المتتالية، كما أن إعلان ولاية كاليفورنيا تسجيل أكبر قفزة يومية لها في إصابات كورونا، وارتفاع معدل الإصابة في فلوريدا فوق ١٠%، جعل أجواء الصناعة والسوق قاتمة على نحو كبير.
من جهتها وزيرة الطاقة الأمريكية الجديدة في إدارة الرئيس بايدن جينيفر غرانهولم أطلقت تصريحاً نارياً هو بمثابة قرع جرس إنذار، أقرب للتهديد منه إلى النصح وأخذ الحيطة والحذر. وهو تصريح موجّه لأرباب صناعة النفط في الولايات المتحدة. ففي مؤتمر CERAWeekالذي يعقد سنوياً للطاقة الذي تنظمه شركة المعلومات والرؤى المستقبلية (إتش آي إس ماركيت) في هيوستن –تكساس- خاطبت الوزيرة، جينيفر غرانهولم بكلمات لا لبس فيها، أرباب صناعة النفط الأمريكية يوم الأربعاء ٨ آذار ٢٠٢١ بالقول: “لن أتطرق إلى مدى صعوبة التحولات النفطية”، في إشارة منها إلى الانتقال للطاقة النظيفة، وهو ما يشي بأن الولايات المتحدة سوف تتعامل مع بقية دول العالم على أساس التحول العالمي نحو الطاقة الخضراء.
بالمقابل، كان لابد من أن تثير مثل هذه المواقف الحازمة والصادمة بحق صناعة النفط، ولاسيما صناعة النفط والغاز الصخري الضخمة في الولايات المتحدة، موجة من القلق الحاد في أنحاء كثيرة من الولايات المتحدة التي تعتمد على الوقود الأحفوري للحفاظ على استمرارية اقتصاداتها ونموها المتباطئ. فرسالة الوزيرة واضحة وتقول ما معناه “تكيفوا أو تلاشوا”، هكذا فهم الإعلام البترولي في الولايات المتحدة هذه الرسالة. في الحقيقة إن لهذا القلق ما يبرّره، وخاصة بعد أن جربت صناعة النفط الصخري بالفعل مرارة طعم انهيار سعر برميل خام غرب تكساس يوم ٢٠ نيسان من العام الماضي ٢٠٢٠، إلى أدنى مستوياته التاريخية، حيث كانت آثاره القاسية مدمّرة على جميع شركات النفط الأمريكية العاملة في حوض بيرميان، وعلى جميع المدن والبلدات الصغيرة التي تعتمد على استقرار سعر نفط منطقتها. والآن، حين لاحت فرصة جديدة للتعافي بارتفاع سعر النفط الذي أعاد بث الروح والثقة من جديد في صناعة النفط الصخري الأمريكية، إذا بها تصطدم بهذه التصريحات القاسية من وزيرة الطاقة الأمريكية الجديدة التي فُهم من رسالتها أن إدارة الرئيس بايدن سوف تتخلى تدريجياً عن صناعة النفط والغاز.
الوزيرة الجديدة تقول إن شركات النفط والغاز الأمريكية يجب أن تقفز على واقعها الحالي للبقاء على صلة بالاقتصاد العالمي الجديد الخالي من الكربون. وتضيف أن إدارة الرئيس بايدن لن تترك عمال صناعة النفط والغاز خلفها، كما يذهب تفكير القائمين على إدارة صناعة النفط والغاز الأمريكيين التقليديين. ومن وجهة نظرها، فإن النتيجة النهائية هي أن نمو الطاقة النظيفة، وتقليل انبعاثات غاز الكربون، يوفران فرصة كبيرة، وهي مستعدة لأن تمدّ يد الشراكة.
الولايات المتحدة تشعر بأنها متخلفة عن بقية العالم المتقدّم والصاعد فيما يخصّ عملية التحول التي قصدتها وزيرة الطاقة الأمريكية. ففي أوروبا مثلاً، بدأت شركات النفط الكبرى بالفعل مرحلة تحولها لتصبح شركات كبرى للطاقة. أما جمهورية الصين الشعبية فقد أصبحت بدورها منخرطة بصورة كبيرة في مبادرات وخطط ومشاريع لتقليص بصمتها الكربونية، وهناك قناعة بدأت تتعزّز لدى العديد من أوساط صناعة الغاز والنفط العالمية بأن ذروة النفط قد حلّت بالفعل، وأنه لذلك يتعيّن استمرار اتجاهات الاستثمار البيئي، والحوكمة والاستثمار الاجتماعي الموجودة حالياً في الفكر والممارسة العالميين.