دراساتصحيفة البعث

بايدن واختبار إنهاء العدوان على اليمن

محمد نادر العمري

في داخل مراكز صنع القرار الخارجي الأمريكي، هناك مقاربة روّج لها ترتكز على  تغيّر توجهات إدارة بايدن من العدوان على اليمن، مستندة حتى الآن على “ظاهر الخطاب” فقط. فمن المفترض أن كل رئيس أمريكي جديد يسعى عادة إلى إحداث تحولات مهمة في السياسة الخارجية لإدارته، لا سيما إذا كان من حزب مختلف لسلفه، وهو ما يحاول الرئيس الديمقراطي بايدن إظهاره، من خلال تأكيده بنفسه خلال حملته الانتخابية لذلك، وإشاراته المتعددة في خطاباته وتصريحاته إلى أنه سيتبنى مقاربة مختلفة وسيعمل على إحداث تغييرات جوهرية في سياسات إدارة بلاده مغايرة تماماً عن تلك التي اتبعها سلفه ترامب، والتي -بحسب تعبير بايدن- “ألحقت ضرراً بالغاً بصورة الولايات المتحدة في العالم وأمنها القومي”، وأنه سيعمل على ذلك استناداً إلى خبرته في قضايا السياسة الخارجية، ومن خلال التعاون مع مؤسسات صنع القرار، التي يربطه معها علاقات قديمة كان قد صقلها خلال توليه منصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما، وقبلها خلال رئاسته للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

والتغير البارز في مقاربته، والتي اعتبرها متابعون أمريكيون أن من شأنها أن تقلب موازين الأمور في المنطقة، اتخاذ بايدن قراراً بسحب الدعم العسكري للسعودية في اليمن، وقوات ما تسمى بـ “التحالف العربي”، كما قام برفع صفة التنظيم الإرهابي عن الحوثيين، “وهم أحد قوى محور المقاومة في المنطقة”، لكن كل هذا قرأ على أنه ليس تغيراً حقيقياً في السياسة الخارجية، بقدر ما اتخذ من منطق البراغماتية السياسية التي يسعى عبرها بايدن إلى مغازلة إيران في اليمن، من جهة، وللتخلص، من جهة ثانية، من تحمّل مسؤولية الأزمة الإنسانية في اليمن، لتلغي بذلك أحد أكثر القرارات التي تعرضت لانتقاد وبخاصة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومن جهة ثالثة لتقليم أظافر السلطة التي تمتع بها ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان ورغبة بايدن في احتواء نفوذه.

وللترويج لذلك كان بايدن قد أكد أن إدارته تعزز جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن، التي تسببت بكارثة إنسانية وإستراتيجية، وسط ترحيب أممي بحجة أنها ستوفر إغاثة وعوناً ضخماً لملايين اليمنيين، الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية والواردات التجارية لتلبية احتياجاتهم الأساسية من أجل الحياة. وكانت جماعة “أنصار الله” قد أعلنت أن إعلان بايدن، بدء شطب اسمها من لائحة الإرهاب الأمريكية يعد خطوة متقدمة باتجاه تحقيق السلام في اليمن، ولكنها في ذات الوقت أكدت أن السلوك الأمريكي في الواقع التنفيذي لا يشي بذات مستوى التصريحات، في ظل توافر مؤشرات واضحة حول المناورات المتعددة التي سلكتها واشنطن بعد ذلك.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن كانت مدفوعة بذريعة “مصالح مكافحة الإرهاب ومصالح إقليمية أوسع وأشمل”، وظلت هكذا بدون تغيير جوهري خلال عهد إدارات الرؤساء الثلاثة جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، وفي بعض الفترات كثفت الولايات المتحدة ضربات الطائرات المسيرة أو خففت من حدة العمليات البرية العسكرية المباشرة، ولكنها تركت الشؤون الداخلية اليمنية باستمرار للسعودية، أما بالحرب الدائرة باليمن فدعمت واشنطن السعودية باستمرار في مجلس الأمن، ووفرت الأسلحة والدعم اللوجستي لمواصلة العدوان لأهداف جيوسياسية تنصب بالدرجة الأولى في موقع اليمن الجغرافي.

بدأ دعم الولايات المتحدة في الكونغرس حول استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه يتذبذب إلى حد كبير خلال النصف الثاني من فترة إدارة ترامب، حيث ازدادت المعارضة على مبيعات الأسلحة، في الوقت الذي تنامت فيه المخاوف بشأن دور السعودية في حرب اليمن، وهذه المخاوف لم تقتصر على المؤسسات الرسمية بل تجاوزتها، ولم تقتصر أيضاً على الداخل الأمريكي بل أصبحت دافعاً للقوى الضاغطة على الرأي العام الأوروبي.

بالرغم من ذلك استمر ترامب بدعم العدوان العسكري بلا هوادة، ولكن بدأ بعض المنافسين من الحزب الديمقراطي بطرح أسئلة حول العلاقة مع السعودية وأولويات الولايات المتحدة في الخليج وتأثير القرارات الأمريكية على اليمن. وخلال السنوات الأربع الماضية، أبدى ترامب التزاماً خطابياً فقط -اقتصر على التصريحات إلى حد كبير- بالجهود متعددة الأطراف لبناء السلام في اليمن، مضعفاً بذلك هذه الجهود عبر استمرار التعاون العسكري مع التحالف بقيادة السعودية، كما قللت إدارة ترامب من أهمية الدبلوماسية، وأوقفت دعمها للمشاريع الإنسانية الرئيسية في اليمن، تاركة بذلك الملايين من الشعب اليمني عرضة للخطر. ليست الولايات المتحدة وحدها من يقف وراء انخفاض نسبة التزام المانحين، ولكن معارضة إدارة ترامب لمختلف أشكال محاسبة الأطراف التي تستهدف المدنيين شجعت على تقليص برامج الإغاثة الأساسية في البلد الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في المنطقة.

لذلك فإن بايدن إن أراد فعلاً حل الأزمة اليمنية ووضع حد للحرب عليها، عليه أولاً تخفيف ضغوط جماعة المصالح الأمريكية في البداية، وفي مقدمتها المجمع الصناعي العسكري الذي حقق مبيعات تجاوزت 10 تريليون دولار خلال العقد الأخير، وثانياً على بايدن  ألا يحوّل اليمن لورقة مساومة وغزل في مفاوضاته مع إيران ولا ساحة ضغط على محمد بن سلمان، وثالثاً أن يكون قراراً جدياً ويتمثل ذلك بعدم التدخل في المبادرات السياسية وجمع اليمنيين على طاولة المباحثات.