الحكومة الإيطالية والمهام الصعبة
عناية ناصر
سقطت إيطاليا في أزمة سياسية في أواخر كانون الثاني الماضي، لكن تم تخفيف جميع المخاوف عندما تم اختيار ماريو دراغي، المحافظ السابق للبنك المركزي الأوروبي، كرئيس وزراء جديد لإيطاليا رسمياً. بعد عدة أيام من المشاورات مع مختلف الأحزاب السياسية في البرلمان، شكل دراغي مجلس وزراء يضم وزراء من مختلف الأطياف السياسية بالإضافة إلى بعض المعينين “الفنيين” غير السياسيين، ليضطلعوا، معاً، بالمهمة الصعبة للغاية المتمثلة في التغلب على التداعيات الاقتصادية الناجمة عن COVID-19 بالإضافة إلى معالجة المشكلات الهيكلية الموجودة مسبقاً في إيطاليا.
في منصبه الجديد، يحتاج دراغي إلى دعم البرلمان لمتابعة الإصلاحات الجوهرية التي تهدف إلى زيادة إنتاجية إيطاليا، مع تقديم خطة استثمارية للموافقة عليها من قبل المفوضية الأوروبية للوصول إلى الدعم المالي من صندوق المرونة والتعافي الأوروبي، المسؤول عن صرف الأموال التي تم جمعها من خلال صفقة الديون الجماعية التاريخية للاتحاد الأوروبي التي تم التوصل إليها العام الماضي لتمويل تعافي الدول الأعضاء من التأثير الاقتصادي للوباء.
تعد إصلاحات دراغي الهيكلية طموحة، إذ إنها تشمل موضوعات حساسة، مثل الإصلاحات القضائية والمالية، والتي تنطوي على التنسيق بين الوزارات مما يتطلب الانسجام السياسي. أما بالنسبة للاستثمارات التي سيتم تمويلها من خلال صندوق الاستجابة العاجلة، فمعظمها لها أفق زمني يمتد إلى ما بعد عام 2023، عندما ينتهي الدور التشريعي الحالي. لذلك، سيكون التحدي الرئيسي لدراغي هو ضمان ألا تقوض الحكومة المستقبلية جهوده الحالية.
أولاً وقبل كل شيء، سيتعين على دراغي التعامل مع الأزمات الصحية والاقتصادية الناجمة عن الوباء، والتخطيط لتسريع وتيرة التطعيمات في إيطاليا، لكن المعركة الأكبر ستجري على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث تباطأ الشراء المركزي لجرعات اللقاح بسبب النقص غير المتوقع في إنتاج شركات الأدوية.
ثانياً يجب على دراغي تقديم مسودة خطة إلى المفوضية الأوروبية للتفاوض بشأن الحصول على الأموال من صندوق الاستجابة العاجلة، بعدما تم تخصيص حوالي 209 مليار يورو لإيطاليا، منها 127 مليار بشكل قروض و82 مليار بشكل منح. في الوقت نفسه، كما يجب عليه تقديم ضمانات لقدرة إيطاليا على سداد ديونها من خلال زيادة الإنتاجية. وللقيام بذلك، يحتاج إلى العمل عبر الطيف السياسي لمتابعة الإصلاحات الهيكلية.
أما التحديات السياسية، ففي اختيار حكومته، اضطر دراغي إلى التوصل إلى حلول وسط سياسية مع جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان الإيطالي تقريباً، ومثل هذا التحالف الواسع يتسبب في حدوث بعض الاضطرابات داخل معظم “العائلات” السياسية، وإن تحقيق التوازن في مثل هذا التحالف المتنوّع بالإضافة إلى العداوات الشخصية عميقة الجذور بين أعضائه، يحتاج دراغي إلى صياغة خارطة طريق بحكمة.
ونظراً للطبيعة المفككة للمشهد السياسي الإيطالي وانخفاض عدد المقاعد البرلمانية التي سيتم التنافس عليها في الانتخابات المقبلة بسبب الإصلاحات المؤسسية التي تم إقرارها العام الماضي، فقد لا يكون من مصلحة أي حزب أن يهز القارب في الوقت الحالي، لكن تاريخ السياسة الإيطالية يقدم دليلاً واضحاً على أن الاستقرار لا يمكن أبداً أن يؤخذ على أنه أمر مفروغ منه.