من دمشق إلى القدس.. نفاق أمريكي طبيعي!!
أحمد حسن
الرئيس الأميركي، جو بايدن، مدّد العقوبات المجرمة والمفروضة على سورية لسنة جديدة. أسبابه الموجبة لذلك كانت، كالعادة، مزيجاً من بعض المحسّنات البلاغية وبعض التباكي الضروري والمعتاد على الانسان وحقوقه، مضافاً إليها صور فاجعة من مسرح اللامعقول!!.
بايدن قال في بيانه، وحرفياً، إن سياسات دمشق وإجراءاتها “تشكّل تهديداً استثنائياً للأمن القومي للولايات المتحدة وسياستها الخارجية واقتصادها”!!
من يقرأ نص “رواية” بايدن يعتقد أن دمشق تحتّل بقواتها العسكرية ولاية من الولايات الأمريكية الحدودية وتدعم الميليشيات الانفصالية فيها، وتشجّعها على منع تدفق المحاصيل الإستراتيجية والنفط نحو بقية أنحاء البلاد، بل تسرق أيضاً بعضاً مما سبق وتنقله بشاحناتها إلى البلدان المجاورة وتبيعه في السوق السوداء، مخالفة كل القوانين والأعراف العالمية، كما أنها تشكّل غرف عمليات – موك وموم – في بلدان الجوار، مثل كندا والمكسيك، وتضغط على حكوماتها وفعالياتها الاجتماعية والاقتصادية لمنع التعامل مع الحكومة الأمريكية.
“إسرائيل”، وعلى خطى الأخ الأمريكي الأكبر، مدّدت، وتمدد يومياً، جريمتها الإبادية في فلسطين لمدة غير معلومة، أسبابها الموجبة لذلك كانت كالعادة أيضاً، مزيجاً من الترّهات البلاغية عن حقوق غيبيّة ورواية فانتازية عن أرض بلا شعب تنتظر عودة شعبها الحقيقي إليها، وحين قرّرت دول الاستعمار الغربي الايمان بهذا الأمر – لمصالحها الخاصة طبعاً – وجدت أن هناك شعباً حقيقياً يعيش في فلسطين لذلك كان لا بدّ من اجتثاثه، فالفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت فقط لا غير، وهو الأمر الذي تفعله العصابات الصهيونية منذ ما قبل 1948 وحتى اليوم، في القدس وغيرها.
وجود “إسرائيل” وإجرامها الدائم ضد الفلسطينيين هو جزء من المشروع الامبراطوري الأمريكي الذي يُعبّر عنه، تعمية وتضليلاً، بمقولة الأمن القومي الأمريكي. وهنا بيت القصيد في عقوبات بايدن ضد دمشق.
للتذكير، بعض هذه العقوبات التي أعلن بايدن عن تمديدها ضد دمشق، يعود، بحسب نصّه، إلى عام 2004، أي أنه سابق على الأزمة الحالية بسنوات عدّة، وهو يرتبط – بغض النظر عن التبريرات الأمريكية الكاذبة – بموقف سورية الرافض للحرب على العراق عام 2003 والداعم للمقاومة العراقية ضد المحتّل الأمريكي. وأحد شروط واشنطن التي نقلها لدمشق حينها، كولن بأول، كانت التراجع عن دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
هنا يمكن القول إنه، فعلياً، لا يوجد في بيان بايدن جملة صادقة واحدة إلا فيما يتعلّق بتهديد سورية – بحجمها الجغرافي والسياسي والعسكري المحدود – لـ”سياسة واشنطن الخارجية”، وهي سياسة يعرف القاصي والداني أن ما يوجهها هو النهب الكلبي الفاجر لموارد الشعوب وثرواتها، الأمر الذي يحتاج إلى سيطرة مطلقة على الجغرافيا والوعي في الآن ذاته، وإذا كان الاحتلال الأمريكي المباشر هو سيطرة على الجغرافيا، فإن بعض فقرات بيان بايدن الأخير هي محاولة، ولو كانت بائسة، للسيطرة على الوعي والظهور بمظهر الضحية لا القاتل، كما هو واقع الحال.
بغير هذه المقاومة السورية لـ “المشروع الامبراطوري الأمريكي” لا يمكن فهم عقوبات 2004 وما تلاها حتى يومنا هذا، فسورية التي رفضت أكاذيب إدارة بوش الابن، وتابعه طوني بلير، لاحتلال بلد عربي شقيق وتدمير مقدراته التاريخية، تدفع اليوم ثمن موقفها هذا، وهذا حالها قبل ذلك وبعده في شأن الحق الفلسطيني الساطع الذي دعمته بكل ما تملك، وأثبتت الأيام صحة وصدق موقفها منه.
مرة أخرى هي دمشق التي تشكّل “تهديداً استثنائياً” للأمن القومي الأمريكي لأنها، وبكل بساطة، تدافع عن الحق العربي، وتدعم كل مقاومة موجهة لأعدائه المعروفين. ومرة أخرى هو النفاق الغربي المعتاد، مجرد بيانات إدانة كلامية للمعتدي – بعضها يطالبه بضبط النفس!! – وعقوبات قاسية على الضحيّة، لكن التاريخ لن ينتهي هنا، ولا هكذا..