الانتخابات في الخارج: صورة الانتصار القادم
أحمد حسن
مع اقتراب الموعد المحدّد للانتخابات الرئاسية السورية في الخارج، يقترب البعض -دولاً ومنظمات وأفراداً- في رفضه لها ومحاولة منعها من حافة رفض الديمقراطية ذاتها، مساراً ومخرجات، من حيث أن الديمقراطية، ووفق التعريف الأبسط لها، حق الشعب في حكم نفسه بنفسه، أي حقه الحصري في اختيار قياداته وفق الإجراءات والمواعيد الدستورية المقرّرة وعبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي طالما “طبّل لها وزمّر” من يرفضها ويحاول منعها اليوم.
فبعد أيام معدودة ستفتح سورية أبواب سفاراتها في بلاد العالم المختلفة للسوريين الراغبين في ممارسة حقهم والمشاركة في هذا الاستحقاق، واستناداً إلى السوابق الماضية المماثلة والتصريحات الحالية، ستسارع الدول التي طالما تباكت على حق السوري في إبداء رأيه لتمارس وصايتها الفاضحة عليه وتغلق أمامه طرق التعبير عنه، سلباً أو ايجاباً، مشاركة أو امتناعاً طوعيين، لسببين واضحين، أولهما، خشيتها من تكرار مشهد طوابير السوريين في الخارج وهي تقف أمام أبواب السفارات استعداداً لممارسة حقها، وكان المشهد في لبنان مثلاً مهيباً لسورية وفاضحاً في الآن ذاته لأعدائها، وثانيهما، اعتبارها السوري قاصراً ما دام لا يعبّر عن رأيها وتوجهاتها التي تسير على مبدأ إما “مشروعنا” ومن يمثّله في القصر، وإما لا قصر ولا من يحزنون، وتلك مفارقة غريبة لا يقدر عليها سوى النفاق الغربي المعتاد الذي واجهته الخارجية الروسية قبيل انتخابات عام 2014 بسؤال واضح وفاضح مضمونه: “من الذي منحكم الحق في انتقاص سيادة سورية، والتي هي دولة عضو في الأمم المتحدة؟”.
والحال فإن هذه الدول، وهي تتجاهل كل المبادئ التي ادّعتها وبنت سرديتها السورية، الكاذبة، عليها، والتي يُفترض أن تكون الحريات والحق في ممارستها، وأولها الحق في إبداء الرأي، جزءاً أساسياً من قيمها، تعرف جيداً أن الانتخابات، والرئاسيّة منها تحديداً، تشكّل حلقة أساسية من حلقات الصراع على مستقبل سورية بين مشروع الإركاع والاستتباع ومشروع الدولة الوطنية المستقلة التي ترفض الهيمنة بكل صورها وأشكالها، وتعرف أيضاً التوجه السوري العام في هذه القضية، لذلك هي تخشى، محقّة، من فضيحتها القادمة، فكان المنع هو الحلّ الوحيد الذي تفتقت عنه قرائح مسؤوليها ليفضحوا بذلك كذبة “الحق في الاختيار”، ومسرحية “الرأي والرأي الآخر”، وغيرها من الجمل والعبارات البرّاقة التي لا تُستخدم إلا للتغطية على أفعال معاكسة لها من قبيل: “الحق” في خنق الرأي الآخر ومنعه، و”الحق” في إخفاء ووأد كل ما يتعارض مع سرديتك عن الأحداث، وصولاً إلى “الحق” في تدمير دولة واستباحة سيادتها بحجة منح شعبها حقوقه، ثم “الحق” في منعه من مزاولتها حين تتعارض مع رغباتك وأطماعك بالاستيلاء على ثروات الشعوب ومصادرة قرارها واستقلالها.
بيد أن أمر النفاق هذا لا يقتصر على الدول فقط، بل يطال “نخبة مثقفة” لطالما تغنت بشعارات الحرية في القول وندّدت بمن يحجبها، وحين حان وقت الممارسة تنادت لمنعها تحت ذرائع وحجج ما أنزل الله بها من سلطان، لتثبت، للمرة الألف، صحة مقولة لينين: “المثقفين أقدر الناس على الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها”.
في المحصلة، أصبح واضحاً للجميع أن ما يصنع المستقبل ويخرج البلاد من أزمتها هو “العمل” ففيه، فقط لا غير، “الأمل” بسورية الغد، والانتخابات القادمة، بموعدها ورمزيتها، عمل إيجابي كبير في سياق ممتد زمنياً من الماضي باتجاه المستقبل، وذلك وإن كان اختبار السوريين المؤمنين بوطنهم ومستقبله، إلا أنه أيضاً صورة الانتصار القادم، والأيام فيصل.