مصطفى جانودي يمزج الرقص بالكلمات ويتقن فن الاختزال: الأدوار المركبة توفّر مساحة كبيرة لإبراز القدرات الفنية!!

“البعث الأسبوعية” ــ لينا أحمد نبيعة

يقرأ شخصيته المسرحية بحرفية عالية، يحلل دوره بخبرة لا يستهان بها، بخفة ورشاقة عصفور يمزج الرقص بالكلمات، ويتقن فن الاختزال بطريقة ملفتة للأنظار، يصعد للخشبة بلا أي حمولة زائدة، ملّم بأدواته ومتمكن منها، واثق بقدراته حد الغرور الجميل، حضوره آسر، قادر على جذب الجمهور بأدنى جهد ممكن، يبالغ بحبه للآخر وصدقه في التعامل مع أصدقائه.. إنه الفنان مصطفى جانودي ابن البحر والمسرح الذي عرّف عن نفسه قائلاً:

“قبل كل شيء، أنا إنسان بلا أي إضافات أو رتوش، فالإنسانية هي حلقة الوصل بيني وبين الآخرين، منحني البحر جنونه ورحابة صدره، فأنا ابن اللاذقية البار؛ في جعبتي الكثير من الطموح والأحلام، وأتمنى ألا تخذلني الحياة، قارئ جيد ومستمع ممتاز، غني بعائلتي: ريما ورام وأحمد”.

 

الفن موهبة ومجهود شخصي

الموهبة لا تكفي لبناء الشخصية الفنية، بل إنها تحتاج لصقل بامتلاك الأدوات الفنية والاجتهاد الشخصي على كل شخصية بإبرازها بأسلوب يميزها عن باقي الشخصيات.. عن ذلك يقول مصطفى:

تقنيات الحاسوب هي دراستي الأكاديمية، وما من رابط يربطها بطبيعة عملي، فموهبتي التي منحني إياها الرب ومجهودي الشخصي هما الأساس في مشواري الفني، وكان للالتزام والمثابرة والصدق الدور الكبير في تلمس خطوات النجاح بأي عمل مسرحي شاركت فيه، ولا أستطيع أن أنكر دور بعض الأشخاص الذين ساندوني ودعموني ببعض الأمور الفنية.

 

الأدوار المركبة غرامي

وعن معايير اختياره لدور ما يجسده، أجاب الفنان جانودي:

مناقشة تفاصيل الشخصية مع المخرج جزء مهم من تجسيدها على خشبة المسرح، ولعب الأدوار المركبة متعة ما بعدها متعة بالنسبة لي، فبالرغم من أنها لا تشبهني أبداً، لا شكلاً ولا مضموناً، إلا أنها تعطيني مساحة كبيرة لإبراز مقدراتي الفنية، وتحفيز حقيقي للبحث والنبش عميقاً لاكتشاف تفاصيلها، وبالتالي الوصول لروحها وتجسيدها بحرفية عالية.

 

مغريات المسرح

أما المغريات التي تجذبه كفنان شاب للمسرح فيتحدث عنها جانودي:

في الحقيقة، أقول لمن يبحث عن لقمة عيشه وتأمين الخبز لأبنائه: إياك والمسرح، فهو ، للأمانة ، “حتى خبز حاف لا يطعم!”، فالمغريات المادية لا يوفرها أبو الفنون في بلدنا، أما المغريات بالنسبة لي فتكمن في المتعة باللعب بكامل الحرية في فضاء المسرح الواسع، وفي جملة الأحاسيس والمشاعر الطازجة، التي تتحقق في اكتشاف الذات وقدراتها الفنية الحية، والاحتكاك المباشر مع الجمهور، سواء المتلقي في الصالة أم جمهور ما بعد العرض والحوارات التي تدور بيننا؛ وربما حب الظهور هو أحد العوامل الأساسية بما يخص مغريات المسرح للشباب.

 

الفنان الحقيقي

وعن التقاطعات بين الفن والكذب أجاب جانودي:

ما من تقاطعات بين الفن والكذب من وجهة نظري الشخصية، فمن يحمل على كاهله هموم وصعوبات وقضايا المسرح يجب أن يتحلى بصفات معينة ثابتة غير متذبذبة، لأن العمل المسرحي هو عمل جماعي يقتضي الابتعاد عن الأنانية وعن التمركز حول الذات، والالتزام بالمواعيد، واحترام وقت العمل ووقت الآخرين، وأن يكون موهوباً بكل شيء، إضافة للكاريزما التي تلعب دوراً مهماً بالنسبة للممثل.. خلاصة الكلام أن على الفنان أن يكون ممثلاً “حقيقياً” بكل ما للحقيقة من معنى.

وعن رؤيته للشخصية يقول مصطفى:

يجب أن أحب الشخصية كي تحبني، فقد لعبت العديد من الأدوار، لكنني لم ألعب أبداً دوراً لم أحبه، فانا لا أجيد الكذب في أدائي المسرحي؛ وحتى مقولة “التمثيل هو نوع من الكذب وعندما نمثل فنحن نكذب” يجب أن نؤديها بكامل صدقنا، وعلى الممثل أن يحب الشخصية كي تحبه، ومن أحب الشخصيات إلى قلبي “اسكندر” في مسرحية “كلب الآغا”.. و”هيروسترات”.. “هدنة”.. “فيميه”.. “ميرمنت”.

وللمخرج دور في الخلق والإبداع على الخشبة، كما أكد الفنان جانودي:

للمخرج الجيد والقارئ بعمق لكل شخصية دور مهم جداً في عملية تحريض وإخراج كل ما في داخل الفنان من مكنونات وقدرات تفيده في بناء وتجسيد الشخصية التي يلعبها على الخشبة، والمخرج الذي يستسهل يحصد نتائج متواضعة، والعمل مع أكثر من مخرج يساعد في اكتساب خبرات متنوعة وجديدة، ويحمي الفنان الذكي من الوقوع في مطب النمطية الفنية.

 

الطفل الشقي ومسرح الطفل

وتساعده طفولته في كل شخصية يجسدها وتحديداً في مسرح الطفل إذ يقول:

داخل كل منا طفل يفقد فاعليته مع تقدم العمر، وبأي فرصة سانحة يخرج هذا الطفل بقوة – “هذا ما يؤكده علم النفس” – وهذا ما يحدث معي على خشبة المسرح عندما أجسد شخصية ما في مسرحية للأطفال، فالطفل الشقي الكامن في داخلي يخرج من القمقم ويبدأ شقاوته من جديد، وأعترف بأنني مقل فيما يخص مسرح الطفل مع أنه هاجس بالنسبة لي.

 

معادلة غير منطقية

وربما المسرح في المحافظات مظلوم قياساً بالمسرح في العاصمة وبالتالي وصّف جانودي هذا البعد بين المسارح:

كما يقول المثل “البعيد عن العين بعيد عن القلب”.. هذا على ما يبدو يحدث معنا نحن أبناء المحافظات البعيدة عن العاصمة القلب، وحظنا بفرص العمل في التلفزيون والسينما قليل جداً أسوة بغيرنا من سكان دمشق ، ولا أعلم حتى الآن لماذا هذه المعادلة غير المنطقية، بالرغم من إنجاز أعمال مسرحية مهمة جداً بقدرات فنية لا يستهان بها، وأحياناً قد تتفوق على ما يقدم على خشبات المسارح في دمشق.

وفيما إذا كان الرقص يضبط الإيقاع على المسرح أجاب:

لم يكن الرقص هاجسي يوماً ما، ولكن بالمصادفة اكتشفت أنني أجيد الرقص أكثر من أي شيء في حياتي، وكان ذلك عندما كنت بالمرحلة الثانوية حيث انتسبت لفرقة رقص للفنون الشعبية، واكتشفت مدربة الرقص – آنذاك – موهبتي الكامنة بفن الرقص، وعملت بشغف كبير لتطوير قدراتي الجسدية في هذا المجال؛ وكنت قد شكلت فرقة للرقص الشعبي حيث شاركت في العديد من الأعمال المسرحية، وتعلمت وعلّمت العديد من أنواع الرقص: الفالس.. التانغو.. الرقص التعبيري.. والرقص حرر جسدي وروحي، وضبط إيقاعي على خشبة المسرح، حيث يصبح إحساسك بالموسيقى، وبالممثل الآخر على الخشبة، عالياً جداً، فالرقص حياة أخرى داخل الحياة.

 

بطاقة

في رصيد الممثل مصطفى جانودي العديد من الأعمال المسرحية، منها: الشريط، مسرحية دعائية، موت موظف، كارت الأوغاريتي، حفلة سمر من أجل أبو خليلي القباني، نزهة في الجبهة، ذكريات زرقاء، جلجامش، الجاكيت، رياح الحريق، العرس الوحشي، حنين، المزبلة الفاضلة، القبض على طريف الحادي، حفرة ، حكايا الملوك، الطوفان، نيكاتيف، القناع، المرحوم يموت مرتين، نساء لوركا، الغراب، سندريلا، فلة والأقزام، الملكة الشريرة، علاء الدين والمصباح السحري، العائلة الحزينة، فيميه، هدنة، مومنت، كلب الأغا، هوب هوب، حسن وحسنة، بذرة الأجاص، المسمار الأخير، تحية، دونكيشوت.

كما شارك في العديد من ورشات العمل المسرحية في عدة بلدان، منها: تونس، ليبيا، العراق؛ وفي سورية خضع لورشات عمل مع: د. عجاج سليم، محمد قارصلي، نضال سيجري، أمل عمران، أكثم حمادة، هاشم غزال، لؤي شانا. وحائز على جائزة أفضل ممثل في عدد من المسرحيات منها: “الشريط” و”مسرحية دعائية” و”الطوفان”، وعلى جائزة أفضل ممثل في مهرجان تونس الدولي عن مسرحية “رياح الحريق”، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان محمد الماغوط عن مسرحية “المزبلة الفاضلة”.

شارك في العديد من المسلسلات المنتجة لصالح الفضائية التربوية السورية منها: حضارة العرب، شعراء العرب، صورة وأسطورة، المفتاح، بنات وحكايات، مملكة الزعفران. كما شارك في مسلسلات: ترجمان الأشواق، كونتاك، حارس القدس، مقابلة مع السيد أدم (الجزء الثاني).