لا إشكالية بتحديد هوية الاقتصاد السوري؟
طالب بعض المحللين والمنظرين على مدى السنوات العشر الماضية بإعادة تحديد هوية الاقتصاد السوري، وكأنّ اقتصادنا كان بلا هوية على مدى العقود الماضية!
وها هي هذه الأصوات ترتفع مجدداً مطالبة بتحديد هوية اقتصادنا، ونحن على مشارف مرحلة جديدة من التنمية والإعمار فرضتها أشرس حرب إرهابية عالمية على سورية!
والسؤال: هل من إشكالية بتحديد هوية الاقتصاد السوري؟
بعد انطلاقتها بأشهر، وتحديداً بعد إقرار الدستور الدائم عام 1973، تبنت الحركة التصحيحية نهج التعددية الاقتصادية بالتوازي مع التعددية السياسية، مع التركيز على القطاع العام الذي نفذ بجدارة جميع الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.!
ونشدد هنا على الجانب الاجتماعي في الخطط الخمسية لأنها ترجمة لهوية “الاقتصاد الاشتراكي”، الذي نشر التنمية على امتداد الخارطة الجغرافية لسورية، وتحديداً في الريف الذي عانى على مدى عقود من الفقر والحرمان!
لم يك في الريف السوري كهرباء ولا مدارس ولا طرقات ولا مراكز صحية، ولا نبالغ أنه كان شبه “مقطوع” عن مراكز المدن، ولم تهتم بتنميته أي حكومة قبل عام 1970، أي منذ تحرير سورية من الاستعمار الفرنسي.
وفعلاً، تمكنت سورية من خلال قطاعها العام وبمشاركة محدودة للقطاعين الخاص والمشترك أن تحقق تنمية غير مسبوقة في المنطقة خلال ثلاثة عقود فقط.
وبعد الحصار الاقتصادي الغربي في ثمانينيات القرن الماضي الذي لم يتوقف حتى الآن.. تبنت سورية نهج الاعتماد على الذات، وهو أحد المحاور الأساسية للاقتصاد الاشتراكي الذي أثمر خلال سنوات قليلة اكتفاءاً ذاتياً في المواد والسلع الأساسية، وبعدما كنا نستورد القمح أصبحنا نعاني من تخزين 5 ملايين طن من هذه المادة الاستراتيجية في العراء.!
وبعد أن كان المواطن في ثمانينيات القرن الماضي، بفعل الحصار، ينتظر ساعات طويلة أمام كوى صالات شركة الخضار والفواكه للحصول على علبة محارم أو سمنة أو كيلو ليمون.. أصبحت سورية تنتج في تسعينيات القرن الماضي فائضاً من معظم السلع الغذائية والمواد الأخرى جاهزة للتصدير للأسواق الخارجية.
أكثر من ذلك .. عاشت سورية بفضل سياسة الاعتماد على الذات منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى الحرب الإرهابية عليها في عام 2011 في رخاء لا مثيل له في المنطقة، بفعل نسبة تنمية فعلية ركيزتها الاقتصاد الإنتاجي لا الريعي.
حتى عندما تبنت قيادة البعث نهج “الاقتصاد الاجتماعي” فإن سورية لم تتخل عن الجانب الاشتراكي في اقتصادها لأن مضمون أي نهج اشتراكي هو بالضرورة اجتماعي .. لكن!!
الإشكالية أنه لم ينفذ من النهج الجديد سوى الشق الاقتصادي بل جرى التوجه نحو تطبيق نهج الاقتصاد الليبرالي. وسرعان ما أسفر هذا النهج عن كوارث أبرزها تحول سورية من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد الريعي تجسد بتحولها من مصدر إلى مستورد للقمح منذ عام 2008 !!
ولولا إنجازات القطاع العام والقاعدة الإنتاجية والخدمية المتراكمة على مدى عقود لعانت سورية أكبر بكثير مما عانته ولا تزال بفعل العقوبات والحصار على مدى السنوات العشر الماضية.!
بالمختصر المفيد: ليس المطلوب إعادة تحديد هوية الاقتصاد السوري، فهذه الهوية محددة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتبلورت بخطط خمسية محورها الاعتماد على الذات، أي على القطاع الإنتاجي لا الريعي، وإذا كانت حكومة ما قد انحرفت بهوية الاقتصاد، فالمطلوب تصحيح المسار وتدعيمه بالمتغيرات المستجدة لا أكثر ولا أقل، تحت عنوان واحد: خطط خمسية أو عشرية تترجم نهج اقتصاد الاعتماد على الذات.
علي عبود