فرنسا أزمات مستفحلة وانقسام حاد في المجتمع.. إلى أين؟
أزمات مستفحلة في السياسية والأمن والتشريع والمجتمع والاقتصاد تتقاطع وتُلقي بثقلها على الجمهورية الخامسة في فرنسا، ودعوة صريحة للقتل والإلغاء أطلقها أحد وجوه اليمين المتطرف، فبعد حادثة الصفع التي تعرض لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إحدى جولاته الترويجية والجدل الذي دار في الأوساط السياسية الفرنسية عن انعدام الاحترام للنخب السياسية وطريقة التعرض لها بهذه الطريقة الفجة، برز بشكل لافت فيديو تحريض لشخصين من اليمين الفرنسي يرتديان اللباس العسكري ويطلقان النار على تمثال اليسار الفرنسي ويقومان بالتحريض على قتل اليساريين.
مشهد يؤكد مدى الاحتقان الذي وصل إليه الشارع الفرنسي المنقسم بين اليسار واليمين المتطرف الذي يحاول استغلال أي حدث لإشعال الشارع وشده باتجاهه ولاسيما في أعقاب أي عملية إرهابية.
وبالتالي فالانتخابات الرئاسية المقبلة ليست ببعيدة عن خلفيات حالة الاحتقان والتوتر فالصراع يشتد والمنافسة حامية الوطيس بين مختلف المرشحين بين اليمين واليسار والوسط، لكن اليمين المتطرف المتنامي على خلفية شد العصب بوجه المسلمين والمهاجرين، لم يعد يتورع عن استخدام أي وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية، بما فيها العنف وكل من يخالفه قراءة الأزمات المتنوعة في فرنسا.
زعيم حركة فرنسا غير الخاضعة، جان لوك ميلونشون، قرأ في مسار التطورات رجحاناً لحصول “حادثة خطيرة أو جريمة قتل في الأسبوع الأخير من الحملة الرئاسية” كما كان يحصل في مناسبات انتخابية سابقة، ليتمكن اليمين والسلطة معاً من استغلالها إنتخايباً.
حرب أهلية كان جنرالات وضباط متقاعدون، ميالون لليمين، قد حذّروا من الوصول إليها في حال لم تتدخل الدولة وفق منظورهم المتعصب للحفاظ على الجمهورية التي يحلمون بها.
تصريحات ميلونشون التي ربط فيها بين تفجيرات وعمليات أمنية واستحقاقات انتخابية، استُغلت على نطاق واسع، ودُفع أهالي ضحايا بعض الأحداث إلى إدانته، حيث فسروا كلامه على أنه تبخيس لمن وقعوا ضحية أعمال إرهابية.
فيما التقط أخصام ميلونشون تصريحاته ليشنوا حملة واسعة على سياسته وأفكاره. الوزيرة المسؤولة عن المواطنة مارلين شيابا انتقدت الزعيم اليساري بشدة، ونددت بما وصفته “مزيج من جنون العظمة والتآمر” وقالت “إنه أمر مخز”.
ورداً على سؤال لـ”راديو سود” ، ندد باتريك مينولا، رئيس مجموعة حزب الوسط في الجمعية الوطنية، بـ”التصريحات الصادمة للضحايا” و”الساخرة” لأنها “لا تخلو من دوافع خفية”.
رئيس بلدية نيس، كريستيان إستروزي رأى أن ميلونشون “انجرف نحو أسوأ نظريات المؤامرة، وكلامه يأتي ليخرب ذاكرة الضحايا الفرنسيين للهمجية الإسلاموية. إنه غير جدير، مخجل، مثير للشفقة”.
تصريحات ميلونشون دافع عنها المسؤولون في فرنسا. حيث اتهمت النائبة كليمنتين أوتين المعارضين بـ”تعمد إساءة فهم كلمات جان لوك ميلينشون وتشويهها” قائلة: “ما لا نقبله هو استغلال هذه الحقائق الخطيرة للغاية”. رد الفعل نفسه من جانب نائبة باريس دانييل أوبونو، وبرأيها أنه: “مع اقتراب كل انتخابات رئيسية، هناك دائماً خوف من استغلال وسائل الإعلام السياسية للجرائم أو الهجمات”.
من جانبه، حاول جان لوك ميلينشون توضيح أقواله في منشور على حسابه على فيسبوك، استنكر فيه الضجة المؤلمة” وأسف لـ”المضايقات” التي يقول إنها تستهدفه، وقال: “عندما تستعيد لوبان مشاعر الجريمة لتصنع دعايتها، فهذا أمر رائع، عندما يحذر شخص ما من هذا النوع من التلاعب، فذلك لأنه متواطئ مع القتلة! لذلك نأتي إلى إنكار الأدلة على أن القتلة ينتظرون أفضل وقت للحديث عنهم”.
ميلونشون استنكر مجدداً “التلاعب الوحشي” بكلامه، معرباً عن “تعاطفه مع الضحايا وعائلاتهم”، على عكس ما فسر كلامه لفرانس أنفو.
خلاصة التطورات الفرنسية، أزمات مستفحلة في السياسية والأمن والتشريع والمجتمع والاقتصاد، تتقاطع وتُلقي بثقلها على الجمهورية الخامسة، فيما التحليلات الأكثر موضوعية تتوقع تحولات جذرية في هوية فرنسا، لا سيما أن اليسار عاجز عن الاتفاق على مرشح مشترك للانتخابات الرئاسية، والمعركة تكاد تنحصر بين من يوصف بأنه ممثل الأوليغارشية المالية إيمانويل ماكرون وممثلة تيار اليمين الأكثر تطرفاً مارين لوبن.